عزّام الأحمد لم يحمل جديداً في زيارته لبيروت كيف سيمنع الفلسطينيون تحوّل عين الحلوة ملاذاً للإرهاب؟ ابراهيم بيرم
هل ينجح الفلسطينيون في ايجاد حل للأزمة الناشئة بينهم وبين السلطات اللبنانية على خلفية التجاء الارهابي الخطير المطلوب شادي المولوي الى داخل مخيم عين الحلوة في الجنوب؟
غادر القيادي الفلسطيني عزام الاحمد أخيرا بيروت بعد سلسلة لقاءات مكثفة أجراها على عجل، لكن الانطباع الذي خرجت به الجهات الرسمية اللبنانية المعنية بالملف الفلسطيني في لبنان هو ان زيارة هذا القيادي المخضرم ذي المعرفة العميقة بخفايا هذا الملف وتفاصيله لبيروت منتدبا من قيادة السلطة في رام الله لم تضف جديدا من شأنه أن يساهم في حل المشكلة المستجدة القائمة بين السلطة اللبنانية وبين الجهات الفلسطينية المحلية المعنية على خلفية أمرين بالغي الحساسية بالوضع اللبناني هما:
– إيواء مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا أبرز رموز الارهاب والتطرف المطلوب للسلطات شادي المولوي، الى رموز آخرين.
– الخشية التي تتملك السلطة اللبنانية من ان يكون لجوء المولوي الى حمى هذا المخيم فاتحة لموسم “هجرة” الارهاب الى المخيم المكتظ لاحقا، لا سيما بعدما ضرب الجيش خلال الاشهر الاربعة الاخيرة بؤرا وبيئات كان الارهاب يقيم على اعتقاد انها حواضن آمنة وخصوصا في الشمال، مما يهدد بتحول المخيم الذي يتجاوز عدد قاطنيه المئة الف نسمة غرفة تحكم وسيطرة لادارة عمليات تخريبية او انتحارية قد يكون الارهاب في صدد تنفيذها، لا سيما بعد انكشاف خيوط تنسيق تربط بين الارهاب الذي نفذ التفجير الانتحاري في جبل محسن وبين جهات في عين الحلوة والمبنى “ب” في سجن رومية.
وهكذا عاد الاحمد من حيث أتى، تاركا فتيل الازمة يشتعل ببطء، خصوصا ان الجهات اللبنانية المعنية مباشرة بالملف الفلسطيني، السياسية منها والامنية، صارت في الآونة الاخيرة على قناعة بأمرين:
الاول: ان ثمة ارتباكا وتباينا لدى الجهات الفلسطينية حول سبل معالجة المشكلة، واستطرادا حيال النزول عند المطلب الحصري الذي قدمته السلطة اللبنانية لهذه الجهات، وتحديدا بعد تجربة الاسابيع الثلاثة الماضية وذلك بعدما اجتمع المسؤول عن فرع مخابرات الجيش في الجنوب العميد علي شحرور مع ممثلي كل الفصائل في مخيم عين الحلوة وابلغهم رسميا ان لدى الدولة من الوقائع والمعطيات ما يثبت ان المطلوب المولوي قد انتقل من الشمال الى داخل المخيم، وان هذا الواقع المستجد أمر ترفضه الدولة لانه تترتب عليه مخاطر جمة، لا سيما ان المولوي ما اختار هذا الملاذ ليكون في عداد الخلايا النائمة او الحالة الهامدة، بل هو في ذروة الاستعداد لتنفيذ مهمات ستوكل اليه لاحقا، لا سيما بعدما أعلن مبايعته لتنظيم “داعش”.
ومما زاد في درجة ارتياب الجهات اللبنانية المعنية بالامر واستيائها ان ثمة جهات ومجموعات فلسطينية أساسية قاربت الموضوع برمته من باب استبعادها فرضية لجوء المولوي الى أزقة المخيم، او على الاقل عدم علمها بالامر، قبل ان يقر بعضها بالواقع لاحقا، ومن ثم تعاطت مع الموضوع من زاوية انه عملية تجن على أكبر المخيمات الفلسطينية عبر حشره مع كل تطور أمني سلبي في لبنان في خانة المخيم المشبوه والمتهم، وبالتالي الشروع في حملة ضغوط معنوية وأمنية عليه واحراج مكوناته.
الثاني: ان الدولة وإن أخذت إقرارا واعترافا شبه كامل من الفصائل والجهات المعنية في المخيم بوجود المولوي فيه، فانها ترى انه بات لزاما على هذه الجهات الاقدام على أمر من أمرين: الاول “تحرير” المخيم من هذا العبء المسمى المولوي ومن يدور في فلكه من ارهابيين آخرين (ليس لدى الجهات الرسمية ما يؤكد ان صنو المولوي، أي أسامة منصور، قد تمكن من التسلل الى المخيم) وذلك من خلال العمل على اخراجه من المخيم مباشرة وتسليمه الى السلطات اللبنانية، او ان تمارس ضغوطا جدية لكي يخرج المولوي من المخيم بالطريقة التي دخل بها اليه على غرار ما حصل قبيل نحو عامين مع الارهابي عبد الرحمن عوض الذي دخل المخيم بعد اشتراكه مع الارهابي الآخر عبد الغني جوهر في الهجوم على قوافل الجيش في البحصاص، أي المدخل الجنوبي لطرابلس، فكان خروجه القسري من المخيم مقدمة لتصفيته في ساحة شتورا اثر رفضه تسليم نفسه لمخابرات الجيش التي نصبت مكمنا له وأطبقت عليه هناك.
أما الامر الثاني فهو ان لا تساير الجهات الفلسطينية المعنية الدولة في حزمها وجزمها وتحاول ان تميّع المسالة عبر التسويف والمماطلة وتوزيع الادوار والتذرع بحجج ليكون مصير المولوي كمصير الشيخ أحمد الاسير ونحو 22 مطلوبا آخرين لاذوا سابقا بالمخيم ووجدوا من يؤمن لهم الغطاء وشبكة الامان والحماية. وهذا يعني ان ثمة أزمة تنتظر العلاقة اللبنانية – الفلسطينية.
ولم يعد خافيا لدى الجهات الرسمية عينها ان الامر الثاني من شأنه ان يفتح الباب امام ثلاث وقائع:
الاولى: الخوف من ان يتحول المخيم مع مرور الوقت الى بؤرة حاضنة وجاذبة للارهاب.
الثانية: ان يفضي الامر الى انهيار وتصدع الكثير من التفاهمات المبرمة بين الجانبين اللبناني والفلسطيني.
الثالثة: أن تنكسر معادلات ارتسمت سابقا داخل المخيم وساهمت السلطة اللبنانية في تكريسها وبلورتها وذلك عبر جعل الإمرة في المخيم لمرجعية واحدة هي حركة “فتح”.
ومع ذلك يظل السؤال: على أي صورة سيستقر الامر وتحل المشكلة، واستطرادا كيف سيتصرف الفلسطينيون للخروج من هذه الورطة والتخلص من شبهة تأمين مظلة أمان في المخيم لأي ارهابي مطلوب ينجح في التسلل الى المخيم، خصوصا ان الاجابة عن هذا السؤال يتوقف عليها الكثير من الامور الحاضرة والمستقبلية؟
(النهار)