بقلم ناصر قنديل

استنفار أميركي لحرب حسم الحدود العراقية السورية

ناصر قنديل

فجأة يظهر ملف أميركي عن محرقة في سجن صيدنايا ويصير في عهدة الأمم المتحدة. وفجأة يعلن وزير «إسرائيلي» دعوته العلنية لاغتيال الرئيس السوري، قائلاً الآن وليس غداً يجب أن يحدث ذلك، وفجأة يصير بلسان واشنطن التعاون مع موسكو على غير ما يرام، وتصير التساؤلات جوهرية حول مناطق التهدئة. وفجأة غارات أميركية في الحسكة والبوكمال تقتل مدنيين بداعي ملاحقة داعش. وفجأة يشنّ داعش هجوماً بعد الغارت مستهدفاً مطار دير الزور وحاميته السورية، كما فعل بعد الغارات الأميركية الصيف الماضي. وفجأة يستنفر المعارضون في جنيف ويلوّحون بالانسحاب من المفاوضات، وتعلن الفصائل المسلحة المشاركة في أستانة أنها جزء من عملية جبهة الجنوب عبر الأردن لبلوغ خط الحدود العراقية وتشنّ حملة على مبادرة الجيش السوري للتقدّم في البادية، لكن فجأة أيضاً يدخل الاحتياطي الأميركي على الخط ممثلاً بإقليم كردستان العراقي فيعلن رئيسه تهديداً موجهاً للحشد الشعبي إن واصل تقدّمه نحو الحدود مع سورية .

كل هذا ليس فجأة، فالدهشة الأميركية من حجم التقدم السوري في البادية السورية سواء باتجاه دير الزور أو خط المعابر السورية على الحدود مع العراق، هي السبب، والسرعة الموازية لتقدم الحشد الشعبي على الطرف المقابل من الحدود هو السبب. ويعرف الأميركيون بالمعلومات أن وضع داعش لا يسمح بالرهان على طول مدة المعارك اللازمة لبلوغ الجيش السوري والحشد الشعبي نقاطاً متقابلة على الحدود، سواء كانت في البوكمال والقائم أو في ربيعة أو في منطقة بينهما. والأميركيون يعلمون أن تقدم الجيش السوري والحشد الشعبي ليس تقاطع زمان ومكان لقضيتين منفصلتين، بل خطة منسقة لقضية واحدة هي منع السيطرة الأميركية على الحدود والمعابر بين سورية والعراق، ويعلم الأميركيون أيضاً أن هذه الخطة منسقة مع كل من إيران وروسيا، وأنها أم المعارك في الحرب السورية.

الإمساك بخط بلوغ إيران، ومن خلفها الصين للبحر المتوسط، والإمساك بخطوط النفط العراقي والغاز الإيراني نحو المتوسط، والسيطرة على خط الإمداد الاستراتيجي لإيران نحو سورية وقوى المقاومة، هي أهداف احتلال أميركا للعراق، وبعد فشلها أهداف حربها على سورية، وبعد فشلها أهداف حربها لإمساك منطقة ما بين نهري دجلة والفرات، وبعد صمود الجيش السوري في الحسكة ودير الزور وتقدّم الحشد الشعبي في تلعفر، صارت أهدافاً لخطة الإمساك بخط الحدود. وإذا أصيبت الخطة بالفشل، صارت الحرب على سورية بلا قضية استراتيجية، وتحوّلت مجرد إدارة لبعد تكتيكي في توظيف التحالفات والموارد للمشاركة في تسوية جزئية، بحدود المتاح وفقاً لموازين القوى، لينتقل الاهتمام الأميركي إلى خطط دفاعية تتجه نحو جنوب سورية وكيفية ضمان الحدّ الممكن من الأمن لـ»إسرائيل» في أي تسوية، وسقفه البحث بضمانات روسية لعدم شن أي حرب، أو تسريع مسارات التسوية الفلسطينية «الإسرائيلية».

عندما يستنفر الأميركي كل حلفائه وعندما يضع ثقله وتهديداته، فهذا يعني أن المعركة لم تنته، وأن الكيلومترات الباقية أمام الحشد الشعبي والجيش السوري ليلتقيا عبر الحدود هي حرب وجود، ويفتح احتمالات لخلط أوراق كبير، قد تكون العلاقة الأميركية التركية أحد مجالاته، وقد يكون التدخل «الإسرائيلي» إحدى أدواته، وقد يكون تعطيل جنيف والمحادثات الخاصة بالحل السياسي وارداً، والتدخل الكردي العسكري من العراق أحد الاحتمالات، إلا أن الأكيد أن أهم حروب الشرق الأوسط تدخل الآن أخطر مراحلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى