بقلم غالب قنديل

الفوضى التلفزيونية المتوحشة

غالب قنديل

مجموعات توزيع الكابل غير الشرعي في كل منطقة لبنانية تملك سلطة التحكم بما توصله إلى بيوت اللبنانيين من برامج وكذلك بما تمنعه او تحظره من القنوات التلفزيونية المحلية او العربية او الدولية وهذا الواقع القهري قائم منذ سنوات ومسكوت عنه من الحكومات المتعاقبة التي تحركت فقط لتلزم الموزعين بدفع اشتراكات شهرية لصالح القنوات والباقات الخليجية المالكة لقنوات الأفلام وبرامج التسلية والمنوعات كما ألزمت القنوات اللبنانية دفعة واحدة قبل عشرين عاما بدفع مبالغ طائلة لمنتجي السينما الأميركية تحت طائلة الملاحقة فقد بني قانون حماية الملكية الفكرية على تلبية شبكة المصالح المرتبطة بالإنتاج السينمائي والتلفزيوني الأجنبي ومن ثم ببرمجيات الكومبيوتر بدلا من ان تكون حماية الإعلام الوطني ودعمه والسعي إلى تطوير الإنتاج المحلي هي السابقة في الاهتمام على ما عداها.

بعد عشرين عاما من الأرباح غير المشروعة التي حققها أصحاب مجموعات الكابل وحصول القنوات الخليجية الضخمة على ميزة المنافسة غير المتكافئة مع القنوات اللبنانية بفضل مجموعات الكابل غير الشرعية وإثر مراكمة شركات الوكلاء والموزعين لثروات طائلة ومع توسع أخطبوط الكابلات في جميع الأراضي اللبنانية أبيح البث التلفزيوني اللبناني لخرق القانون ولكل الانتهاكات المتخيلة لحقوق المواطنين وللضوابط الوطنية والاجتماعية والأخلاقية التي يفترض ان تكون المعيار في إجازة إعادة توزيع أي قناة غير لبنانية وكذلك مع تجاوز الأصول القانونية والإدارية والمالية لتلك الإجازة كما هو معمول به في جميع دول العالم الأخرى التي تحترم سيادتها وقوانينها.

يجري ذلك كله تحت عين الدولة وفي ظل تجاهل السلطات المسؤولة بينما جرى بتواطؤ بيرقراطي سياسي تعطيل خطة البث التلفزيوني الرقمي الأرضي التي صدرت خريف عام 2012 عن مجلس الوزراء وقد كانت المدخل المناسب لإزالة هذا الواقع الشاذ نهائيا وللدخول في تنظيم حضاري للبث التلفزيوني الرقمي الأرضي يطور من الخدمات التلفزيونية التفاعلية ويوسع هوامش التعدد الإعلامي كما يوفر فرصا جدية لإنعاش القنوات الوطنية.

الفضيحة ان لجنة البث الرقمي التي ما يزال وضعها القانوني معلقا لم تتقاضى أي تعويضات عن عملها لمدة سنتين في عملية تنفيذ الخطة الصادرة عن مجلس الوزراء وصولا إلى دفاتر شروط مناقصة تجهيز الشبكة الوطنية الموحدة للبث الرقمي بالاعتماد على مواقع وأبراج تلفزيون لبنان أساسا كما جاء في الخطة.

الأدهى مما تقدم ان توكيلات ضخمة وقعتها بعض الشركات اللبنانية والخليجية استباقيا لاستثمار مساحات البث التلفزيوني بواسطة شبكة الأنترنت في لبنان ولاحتكار حقوق البث التي تشمل عشرات آلاف الساعات السينمائية والتلفزيونية وهذا ما يمثل وجها من عملية شاملة للهيمنة على القطاع التلفزيوني تقف خلفها رساميل خليجية وشركات اجنبية منها غوغل العالمية وهذه الجهات ذاتها تعمل من خارج القوانين لاستقطاب القنوات المرخصة إلى الشراكة في تكوين شبكة تحتكر خدمات الكابل وتشفر بث القنوات اللبنانية أي خرق أصول الترخيص والمنافسة في القرصنة وسلوك الطرق غير القانونية بدلا من الضغط لتحريك خطة البث الرقمي التي ما تزال مجمدة في أدراج مجلس الوزراء ولدى وزارتي الإعلام والاتصالات من غير أي مبرر منطقي فالمردود الوحيد لهذا التجميد هو إتاحة المزيد من فرص القرصنة والنهب وخرق القانون وإلحاق لبنان بقائمة الدول المتخلفة العاجزة عن اللحاق بالركب الرقمي واغتصاب دور الدولة وحقوقها لتحل مكانها شركات اجنبية وخليجية تتحكم بمرفق سيادي هو نطاق البث وبمضمون ما يشاهده اللبنانيون .

سبق لنا ان أثرنا الموضوع مرات ومرات ولقي تجاوبا من وزير الإعلام لكن لم يتحول الأمر إلى قرار عملي في الحكومة ولا إلى توجه مشترك بين وزيري الإعلام والاتصالات اللذين فوضهما مجلس الوزراء بالإشراف على تنفيذ الخطة منذ إقرارها.

ما نعرفه عن تقاليد الدولة وأعرافها ان الحكم استمرار والخطة الصادرة بقرار رسمي في مجلس الوزراء تعتبر موجبة التنفيذ حكما إلى ان يصدر قرار يلغيها عن مجلس الوزراء او يقرر المجلس إعادة درسها على سبيل المثال اما ما يجري عندنا فهو حالة نادرة من الفوضى والإهمال والتعسف يدفع ثمنها البلد لأن تنفيذ الخطة سينعش قطاع الاتصالات بتحرير قسم من رزمة الترددات المخصصة للتلفزيون وينقلها إلى الاتصالات وهو يوسع بالتالي حجم الطيف الصالح للاستثمار بينما يؤدي الانتقال الرقمي إلى زيادة عدد القنوات المتاح ترخيصها كما يمكن تحريك تطوير جدي للبث التلفزيوني ونوعيته فماذا يختار اللبنانيون الفوضى المتوحشة ام تنفيذ الانتقال الرقمي ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى