القادة في العراق وتركيا تحركوا في أعقاب الاعلان عن اجراء الاستفتاء الشعبي: تسفي برئيل
“اسرائيل فقط ستعترف بالدولة الكردية المستقلة”، هكذا حذر عمار الحكيم، قائد الحزب الشيعي “الاتحاد القومي”، والذي يسيطر على النظام في العراق: “مكانة الدولة الكردية ستشبه قبرص التركية، التي تعترف بها تركيا فقط”، أضاف الحكيم. التحذيرات كانت متوقعة بعد أن أعلن زعيم المقاطعة الكردية في العراق مسعود البرزاني عن نيته اجراء استفتاء شعبي حول استقلال المقاطعة .
العراق ليس الدولة الوحيدة التي ستقف على أرجلها الخلفية ضد سعي الاكراد الى الاستقلال. ففي نيسان التقى رئيس تركيا رجب طيب اردوغان مع رئيس حكومة المقاطعة الكردية نتشرفان برزاني للنقاش حول تعزيز التعاون في الحرب ضد حزب العمال الكردي. ورغم التصريحات تسرب أن الحديث تم تخصيصه لاقناع الاكراد بالامتناع عن تأجيج المشاعر في موضوع الاستقلال.
قبل عشرة ايام من هذا اللقاء وصل قاسم سليماني، قائد قوة “القدس″ التابعة لحرس الثورة الايراني الى مدينة السليمانية في شرقي المقاطعة الكردية، حيث التقى هناك مع قادة الاتحاد الكردي الوطني للتوضيح أن ايران لن تسمح باقامة دولة كردية مستقلة.
الرد الكردي الرسمي على الضغط الايراني كان حاسما: “الرجاء عدم التدخل في شؤون المقاطعة الداخلية”. ورغم ذلك، الاكراد يعرفون جيدا أن اقامة دولة كردية مستقلة ليست مسألة تخص المقاطعة فقط. عمار الحكيم يعتقد أن خطوة كهذه “ستكون مثل التسونامي في الشرق الاوسط”، وهو يعتقد أنه في اعقاب اقامة الدولة الكردية ستبدأ الاقليات الاثنية أو الدينية في كل المنطقة في المطالبة بالدولة المستقلة، أو الكانتون، الامر الذي سيؤدي الى تحطم الشرق الاوسط.
إن من لا يقلقه تفكك الشرق الاوسط ومن وجود دولة مستقلة للاكراد في العراق، هو مجلس اللوردات البريطاني الذي نشرت لجنة العلاقات الخارجية فيه تقريرا في بداية الشهر عن ضرورة بلورة سياسة بريطانية جديدة في الشرق الاوسط.
تحت عنوان “حان الوقت لواقع جديد في الشرق الاوسط”، قال من كتبوا التقرير إن “الدول لم تعد اللاعب الرئيس في العلاقات الخارجية”. فكيانات مثل المنظمات تلعب احيانا دور أكبر من دور الدول. “مصلحة بريطانيا لا تقضي بالضرورة أن يكون الشرق الاوسط عبارة عن دول أحادية مع نظام مركزي. وبريطانيا لا تحتاج الى تخصيص الموارد والجهد السياسي من اجل تحقيق هدف اقامة دول موحدة في الاماكن التي لا يمكن حدوث ذلك فيها، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن. يجب على بريطانيا أن تقبل الوضع الذي توجد فيه ترتيبات عملية وكيانات هي أقل من دولة”، جاء في التقرير.
في السياق الكردي ايضا يجدر ببريطانيا أن تقوم بفحص سياستها تجاه اقامة دولة مستقلة. صحيح أن من كتبوا التقرير يتبنون الفكرة التي تقول إنه في المستقبل القريب لن تقوم دولة مستقلة تعمل على توحيد جميع الاكراد الذين يعيشون في سوريا وتركيا وايران والعراق. من هنا تأتي الصياغة الملتوية التي تُذكر بالدبلوماسية البريطانية الكلاسيكية: بريطانيا ليست بحاجة الى دعم جهد الاكراد من اجل الحصول على الاستقلال، إلا أن ذلك لا يعني أنها تعارض ذلك. يبدو أنه في شهر حزيران فقط، بعد الانتخابات في بريطانيا، ستتطرق الحكومة الجديدة هناك الى التقرير الملتوي، وقد تقوم بصياغة موقف سياسي من الاكراد. وحتى ذلك حين قد تحدث أمور كثيرة في المقاطعة الكردية.
بالنسبة للموضوع الفلسطيني، هذا التقرير واضح وحاسم. فهو يوصي الحكومة البريطانية بأن تفحص بشكل جدي موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، هذا الموقف الذي سيعبر عن تأييد بريطانيا لحل الدولتين. فكيف تتساوق هذه الصياغة مع الاستعداد للموافقة على الترتيبات العملية بالنسبة لبريطانيا.
الولايات المتحدة في عهد ترامب، لا تنشغل بالصياغات. فلا يوجد موقف للادارة الامريكية بالنسبة لاستقلال الاكراد. وهي تعتقد أن القوات الكردية هي حيوية من اجل محاربة داعش، وتعتبر أن القيادات الكردية في سوريا والعراق هي حليفة، وهي تنوي احتلال الرقة بالتعاون مع القوات الكردية. تركيا قلقة من أنه مقابل هذا التعاون، قد يعد ترامب الاكراد بتأييد استقلالهم.
الاكراد على قناعة بأن ترامب لن ينسى اسهامهم، وأنه مع مرور الوقت سيمنحهم المظلة لاقامة دولتهم. ولكن مستشاريه فقط هم الذين تحدثوا عن هذا الامر حتى الآن، حيث أوضحوا أن ترامب يؤيد استقلال الاكراد شريطة موافقة الحكومة العراقية على ذلك. وكأنه يقول للفلسطينيين إنه يؤيد دولتهم المستقلة شريطة أن توافق اسرائيل عليها.
إن معارضة اقامة الدولة الكردية تثير التساؤلات اذا كان الاكراد بالفعل يريدون اجراء الاستفتاء الشعبي الذي يشكل الاساس لاعلان الاستقلال، أم أن الحديث يدور عن خدعة سياسية تهدف الى ابتزاز تمويل ودعم المجتمع الدولي والحصول على الاعتراف الدولي بسيطرة الاكراد على المناطق التي انتصروا فيها على داعش في العراق.
إن الخلافات بين قيادة المقاطعة وبين الحكومة العراقية على السيطرة في الموصل، وعلى الاستفتاء الشعبي في كركوك الذي ينتظر منذ العام 2007 من اجل حسم مصيرها، وعلى اعادة الديون المالية المتبادلة للعراق والمقاطعة، كل ذلك يتراكم ليصبح ذريعة ممتازة للتلويح بتهديد الاستقلال.
هآرتس