بقلم غالب قنديل

احتواء الهواجس والتسوية

غالب قنديل

يمر الزمن وتنقضي الأيام من المهل الباقية لسن قانون انتخاب جديد ومنع وقوع فراغ في المؤسسة التشريعية يهز البنيان الدستوري للدولة وتتزايد الحاجة إلى ابتكار التسوية القادرة على احتواء جميع الهواجس والمصالح لضمان التوافق الوطني الذي يدفع مسيرة الدولة إلى الأمام .

منذ عام 1943 تبادلت الأطراف اللبنانية المشاركة في النظام السياسي الطائفي شكاوى الغبن وهواجس الحيف وانتقاص الحقوق وقد اشتقت مفاهيم لبنانية خاصة من المشاركة إلى التوازن الوطني والميثاقية والتوافق في سياق التعامل مع هذا الواقع الطائفي المعقد الذي يلقي بثقله على بنية النظام ومؤسساته المكبلة والمدفوعة أحيانا وغالبا في حالات من القصور والتحجر .

ليست الشكاوى من خلل التمثيل مفتعلة فالقوانين الانتخابية الأكثرية هي بحكم طبيعتها إلغائية بالمعنى السياسي وتنطوي على خطر هيمنة فئوية للقوة السياسية التي تعبر عن غلبة طائفية عددية في أي من الدوائر الانتخابية ذات المقاعد المتعددة والنسيج المتعدد مما يتيح لها التحكم إلى حد بعيد بطبيعة التمثيل النيابي والأمثلة كثيرة وعابرة للطوائف حيث انتخب أشخاص لا يحوزون وزنا تمثيليا في طوائفهم بقوة ناخبي التيارات السياسية المهيمنة في طوائف أخرى و بهذه الخلفية طرح اعتماد القانون الأرثوذكسي الذي يضمن الاتيان بمجلس نيابي للطوائف وتخطي جميع الهواجس واحتواءها وقد أثار ذلك المشروع جدلا واعتراضات طرحت في الظاهر من موقع التمسك بالحياة الوطنية الواحدة ورفض تحويل البرلمان إلى مجلس تحكمه خنادق طائفية بينما اعتبر كثيرون بالمقابل ان الأرثوذكسي يصلح لانتخاب مجلس للشيوخ نص عليه اتفاق الطائف لكنه ربطه بانتخاب اول مجلس نيابي خارج القيد الطائفي .

استحدثت مجالس الشيوخ في الأنظمة البرلمانية لتمثيل الخصوصيات البنيوية في المجتمعات وقد طغت في التجارب الأميركية والبريطانية والفرنسية خصوصيات جهوية ومناطقية فتم تعريف الشيوخ بدوائرهم وفي لبنان تجمع الخصوصية التكوينية بين الدائرة أي المنطقة والطائفة التي يفترض ان ينتخب الشيخ ليمثلها في مجلس الشيوخ ويستدعي طرح الفكرة تنظيما لتوزيع الصلاحيات بين المجلسين ودورهما الدستوري وحدود دور كل منهما وبيان حالات انعقاد المجلسين معا وإذا اعتمد هذا الخيار فإن اعتماد القانون النسبي لانتخاب المجلس النيابي لابد وأن يقرن بتشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية طالما ان المجلس سينتخب على أساس القيد الطائفي كما تشير مواقف سائر الأطراف التي ما تزال تمانع تحرير التمثيل النيابي من ذلك القيد في المدى المنظور على الأقل.

تفهم الهواجس الفعلية للبعض يفترض عدم الإنكار او التعنت بل معاملتها كنتائج سياسية رتبها تعطيل مواد رئيسية في الدستور والقفز عن بنود أساسية من اتفاق الطائف وكذلك فإن احتواء مخاوف البعض الآخر وأخذها في الاعتبار هو الطريق الوفاقي الذي يقود إلى التسوية التي يجب أن تقوم على إرادة مشتركة ناضجة ومسؤولة.

إن التصعيد الكلامي وتبادل الاتهامات ليس هو السبيل إلى كسر حلقة الاستعصاء الراهن بل من الضروري في الأيام الباقية من المهل الدستورية إظهار الانفتاح على جميع الأفكار ومباشرة صياغة الأقرب منها إلى تأييد سائر القوى السياسية.

النسبية كنظام انتخابي هي الوصفة المرجحة في حصيلة النقاشات المطولة والصاخبة التي شهدناها منذ ثماني سنوات وهي الأقرب إلى تحقيق العدالة واحتواء الهواجس ومعالجة المخاوف ومن الواجب الانتباه إلى ما يتركه التطرف في الخطاب السياسي من آثار تصادمية سلبية في المجتمع برمته ومن ذلك التطرف المبالغة في الكلام عن تمثيل النواب لطوائفهم خلافا للمفهوم الدستوري فتلك وصفة لا تفيد الحياة الوطنية بغير تأكيد الصدوع الخشنة والمتوارثة من حروبنا الأهلية المتكررة بينما المطلوب تعزيز اللحمة الوطنية إلى جانب تصحيح التمثيل لبلورة الإرادة المشتركة في مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بلبنان ومن حوله.

إن الصيغة النموذجية للحل تبقى في نظام المجلسين كما وردت في نصوص الطائف أي مجلس نيابي في لبنان دائرة واحدة وبالنسبية خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يمكن انتخابه في دوائر فردية على طريقة المشروع الأرثوذكسي وماعدا ذلك فإن التسوية الممكنة أيا كانت صيغتها ستشكل خطوة إلى الأمام خصوصا لو تضمنت اعتماد النسبية وأيا كانت الدوائر وحتى لو تضمنت التسوية التفاهم الممكن على قواعد التأهيل او التفضيل بتوسيع نطاق الدوائر وضمان تنوعها طائفيا لتلافي الاعتراضات التي أثارتها الاقتراحات السابقة فربما يتاح التفاهم على صيغة من هذا القبيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى