بقلم غالب قنديل

من المسؤول عن توحش الواقع الإعلامي ؟

غالب قنديل

بني مفهوم التنظيم القانوني لوسائل الإعلام المرئي والمسموع في العالم وفي لبنان كذلك نظريا على مبدأ اعتباره خدمة عامة ومن هذا المنطلق أرست جميع القوانين والأطر التنظيمية المنبثقة عنها قواعد تمنع على مالكي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة استخدامها كأدوات خاصة لتصفية الحسابات السياسية أو الشخصية أو الاقتصادية وذلك من خلال تعميم مبادئ اعتماد موضوعية الأخبار وتوازنها وعدم حجب أي رأي او موقف أوممارسة الحظر الكيفي لأي جهة او شخص طبيعي أو معنوي فحق التعبير المتساوي هو قاعدة أساسية في العملية الإعلامية ومن ضمنها حق الرد والتصويب وإلزامية البث والنشر.

كرس النظام السياسي في تكوين الشركات المرخصة صيغا متعددة للتحايل على شروط ملكية أسهم الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة فتمركزت الملكيات في عائلات وجهات سياسية ولم تتخذ الصفة الأوسع في تنوعها كما توخاها المشترع عندما رسم سقفا أعلى للملكية ووضع بعض القيود على تملك الأقارب للأسهم ولا تمت مراعاة العرف الافتراضي المتصل بالتنوع في هوية مالكي الأسهم لجهة الطوائف والمناطق وبات هذا الشرط أمرا شكليا باللجوء إلى مساهمين من المحازبين والشركاء السياسيين وتشير التجربة اللبنانية إلى ان هذه الشروط القانونية قد تآكلت بالفعل وتم خرقها والإجهاز عليها وهي بالفعل ليست ضمانة جدية لهوية أي منبر إعلامي فالأمر الأساسي هنا هو المحتوى الإعلامي الخبري والبرامجي الذي تبثه الوسيلة.

إن الأخطر في جميع الانتهاكات هو الانقلاب المتمادي على مفهوم الخدمة العامة وموضوعية الأخبار وخرق مبادئ تحريم التشهير او الترويج بأي شكل كان وهذا ما تنسفه بعض وسائل الإعلام يوميا من خلال حملات منظمة بدافع الكيد السياسي ام بفعل صراعات مالية وتجارية تتصل بصفقات وعقود أو منافسات ضارية على نسب المشاهدة والمداخيل الإعلانية تتحول إلى حروب ضروس بين بعض الشاشات وهي تصرفات تمثل جميعها خرقا للقانون ولدفاتر الشروط وتصرفا بوسائل الإعلام على انها ملكيات شخصية مباحة لتصرف المالكين ولإدارة معارك شخصية تعطى صفة عامة بمجرد وضعها في تصرف الجمهور العريض فالقانون لم يعط مالكي الوسائل حصانة تبيح لهم الإساءة إلى سمعة الغير بل إنه حظر عليهم أي اعتداء على كرامات الآخرين وألزمهم بإعطاء حق الرد لأي متضرر.

الأدهى والأخطر مما يجري هو ترك الأداء الإعلامي بتواطؤ سياسي غير عفوي دون أي متابعة جدية للمحاسبة على المخالفات التي بلغت أحيانا درجة دفع البلد إلى حافة الهاوية ( هل تذكرون ما جرى عند بث شائعة مقتل رهائن أعزاز وكيف عومل الخاطفون كمضيفين وقدم الرهائن كسياح في أفظع تزوير إعلامي خطير يمثل جرما بذاته ؟) وحصل مثل ذلك غير مرة ومر من غير محاسبة وتم صد أي مبادرة للمتابعة ولاتخاذ إجراءات من صلب القانون عقابا على تجاوزات بهذا الحجم وتلقينا صدا متواصلا من بعض المسؤولين على إثارة هذه الملفات بعبارة : ما بدنا مشاكل !… هكذا تفاقم التوحش الإعلامي وتمت حمايته سياسيا.

الأدل على هذه العلة ان المرجعية التي أناط بها القانون متابعة اداء المؤسسات المرئية والمسموعة المرخصة وهي المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع ليست بلا صلاحيات تقريرية فحسب وفقا لأحكام القانون التي تعطيها صفة استشارية بل أكثر من ذلك إن هذه المرجعية لم تخصص من قبل وزارة الإعلام بالجهاز التقني والبشري المؤهل لمتابعة الأداء الإعلامي وهي تلجأ للتعاقد مع شركات خاصة من موازنتها التي تحاصرها التقليصات المستمرة لمعاينة المخالفات عندما تتحول إلى قضية رأي عام او موضوع لشكوى يتلقاها المجلس.

بينما يتداول الرأي العام همسا عن التمويل السياسي الخارجي لبعض الوسائل التي استعملت لدعم الإرهاب التكفيري ولاختراق الأمن الوطني ولتعميم الإثارة الطائفية والمذهبية علقت النصوص القانونية المتعلقة بقواعد مراقبة المداخيل المالية للمؤسسات المنصوص عنها في القانون ولم تطلب وزارة الإعلام طوال الأعوام العشرين المنصرمة من المؤسسات المرخصة حسابات استثمارها وكشوفات مداخيلها ولم تطلب التحقق من مصادر تمويل تلك المؤسسات الخارجية او الداخلية بينما شطبت تراخيص لشركات تخلفت لأسابيع عن تسديد الرسوم الافتراضية كبدل لتأجير القنوات غير المستخدمة في الأغلب مع تمادي الكابل غير الشرعي في حين تتراكم مبالغ ضخمة على سائر المؤسسات دون أي مطالبة او محاسبة ليبقى الاستنساب السياسي حاميا مستمرا لانتهاك القوانين التي بلغ الخروج عنها درجة عالية من الوقاحة والتهتك والافتراء السياسي والأخلاقي بمزاجية لاحد لها وبارتهان لقوى خارجية تطمح إلى تحويل الوسائل المرتبطة بها لمواقع نفوذ وهيمنة سياسية واقتصادية وهي تفرخ مشاريع شراكات متعددة المستويات في هذا السبيل على حساب المرافق العامة ومفهوم الخدمة العامة كما يجري في ائتلافات بعض شركات الكوابل غير الشرعية وغوغل للسيطرة على الإعلام اللبناني بالشراكة مع عدد من مالكي الوسائل وبعد التعطيل المقصود لخطة البث الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى