انتخابات فرنسا.. انتخاب عاقل: نداف ايال
سهل جدا ان يصحو المرء في الصباح على ديمقراطية فرنسية. والحديث عن جمهورية لم تستسلم لاغراءات الجانب الظلامي. لم تسر مضللة خلف شعارات فارغة، حقائق عليلة وانباء زائفة من انتاج الكرملين. سهل الحديث عن السبيل الذين لم تخنه فرنسا، وعن الشكل الذي ثار فيه الفرنسيون، ثاروا بحماسة أخيرة للعقلانية في مواجهة عالم آخذ في الظلام، مصممين على ان يظهروا بانه في المكان الذي نشأت فيه المبادىء الحديثة لليبرالية، لن تموت في هذا المكان .
هذا سهل، والحقيقة – هي أن هذا صلب ايضا. لقد كسرت فرنسا امس الميل العالمي. فقد أعادت ابعادا من اليقين الى الساحة الدولية، يقينا اخذ في الافلات من بين اصابعنا. لا، الاتحاد الاوروبي لن يحل بهذه السرعة. لا، ترامب وبوتين لا يختارون الامراء الذين يخدمون ايديولوجيتهما. والدليل: كلاهما رغبا في لوبان وحصلا على صيغة فرنسية لاوباما. كابوس لكليهما، ولا سيما للكرملين.
من كل جنونات وحملات استعراض بوتين، فان ما تلقاه هو اوروبا ميركيل، ماي وماكرون. ثلاث شخصيات يمقتونه حتى اعماق نفوسهم، يرون فيه خطرا وجوديا حقيقيا على اوروبا. سيتنازعون على خروج بريطانيا وعلى امور كثيرة اخرى، ولكن في لحظة الازمة يمكن لبريطانيا، المانيا وفرنسا ان تتحد في مواجهة القيصر في موسكو. وهم سيفعلون ذلك باحساس عميق من القناعة، ومن غرسها هو بوتين نفسه. وسينضم اليهم اعضاء المؤسسة الامنية التي عينها ترامب، مناهضين للروس بوضوح واحدا، اناسا مثل ماتس وماكماستر. الرئيس الروسي يريد غربا ضعيفا ورقيقا، وهو يتلقى غربا كفاحيا مع زعماء لكل واحد منهم حساب غير مصفى معه. هذه ليست قصة غرام روسية، هذا كابوس روسي.
لماذا لم يحصل للفرنسيين ما حصل في الولايات المتحدة؟ التفسيرات متنوعة والخطأ في السؤال بالطبع. فالمقارنة لا يمكن ان تنجح. مارين لوبان ليست ترامب. ولكن اذا كان السؤال لماذا امتنع الفرنسيون عن المجهول غير المتوقع، فالجواب البسيط هو ان لديهم الكثير مما يخسروه. الدولة الفرنسية محملة بالمشاكل ومواضع خلل بنيوية حادة. ولكن الفرنسيين لا يزالون يتمتعون بالجهاز الصحي الافضل في العالم في الدول الصناعية الكبرى. بجهاز تعليمي يمكن حسده فقط. باسبوع عمل مريح نسبيا وبدولة قضت قبل سنين بان العائلة هي قيمة يجب حفظها في سوق العمل. فهم لم يحبوا ماكرون او لوبان ولكنهم لم يرغبوا في أن يخسروا ما يوجد لديهم – وفي قلوبهم كانوا يعرفون بان هذا ليس قليلا على الاطلاق. لقد انتخبوا “الاستمرارية”، قالت امس مارين لوبان باستياء، وهي محقة: الدولة الفرنسية قد تكون مشققة ولكنها ليست محطمة. من يرى الاضطرابات في الاحياء لا يريد أن تصبح هذه حربا أهلية. والتخوف الذي طرحته لوبان كان كافيا كي يرفض الجمهور برامجها.
واجب البرهان هو على الرئيس الجديد، الشاب جدا. الكندي الفرنسي، الاوباما المحلي، كل هذه الاوصاف لا تساوي شيئا في هذا الصباح، بلا حزب برلماني سيضطر ماكرون لان يثبت كفاءات سياسية في مستوى يوازي ديغول. لا يوجد اي دليل على أنه مهيأ لذلك. ولكن هذه هي المهامة التي ارادها، هذه هي المهامة التي كلف بها. الجمهورية اختارت الحياة، اختارت اعطاء فرصة اخرى للطريق الوسط الديمقراطي، الباعث على السأم، والفاسد احيانا. هذا هو اهون الشرور. ماكرون سينضم الى الهجوم على هذه الفرصة. ولعلها الاخيرة.
يديعوت