الرئيس بري وقانون الانتخاب
غالب قنديل
منذ صعود دوره القيادي في الحياة السياسية كرئيس لحركة امل ظهر الرئيس نبيه بري بوصفه مدافعا عن الوحدة الوطنية رافضا لأي انقسام طائفي حريصا على معادلات الشراكة الوطنية.
أولا جسد بري هذا التوجه في السبعينيات وبالذات في الثمانينيات عندما اشتدت حدة العنف الطائفي فتمسك بدور الجيش اللبناني وبالحفاظ على ثكناته وعتاده وعلى سائر مؤسسات الدولة بينما أوكل إلى حركة امل خصوصا بعد انتفاضة السادس من شباط 1984 مهمة حماية المواطنين المسيحيين في مناطق انتشارها في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع وكلفها بالحفاظ على الكنائس والأديرة والمدارس التابعة للرهبانيات المسيحية وهذا ما يعرفه سائر المواطنين والسياسيين والمطارنة والآباء والراهبات والرهبان الذين عاشوا تلك المرحلة الصعبة التي شهدت كوارث كبرى في العديد من المناطق الأخرى أقلها المجازر وعمليات التهجير الجماعي والاقتلاع على جانبي خطوط التماس.
تميز سلوك حركة امل في مناطق سيطرتها عن غيرها من الميليشيات اللبنانية وكان امتدادا للموقف المبدئي الذي أرساه الإمام السيد موسى الصدر في بداية الحرب الأهلية رفضا لانفلات العنف الطائفي وللفرز السكاني وللأوهام والرهانات التقسيمية والإلغائية.
ثانيا في جميع لقاءات الحوار الوطني التي عقدت في جنيف ولوزان وصولا إلى مؤتمر الطائف كان الرئيس نبيه بري متمسكا وبقوة بمبدأ الوحدة الوطنية والإصلاح السياسي رافضا لأي كيد طائفي ضد شركاء الوطن وكان إصراره على تحقيق نقلة جدية في اتجاه تجاوز الطائفية السياسية وعدالة التمثيل وراء دعم وتفويض حركة امل للنائب زاهر الخطيب بالتعبير عن هذه الرؤية الوطنية الإصلاحية الجذرية داخل مؤتمر الطائف وقد تحول يومها الحوار خلال بعض جلسات المؤتمر إلى نقاش مباشر بين النائبين زاهر الخطيب وجورج سعادة في اكثر من جولة حول العناوين الإصلاحية وليس فحسب حول قضايا الهوية العربية والعلاقات المميزة مع سورية وكان الرئيس نبيه بري على تواصل يومي مع الخطيب يتابع جميع التفاصيل في مناقشات الطائف التي أفضت إلى تثبيت البنود المتعلقة بالإصلاح الانتخابي ونظام المجلسين وتشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية وهو ما تحول إلى نصوص دستورية بعد الطائف.
ثالثا بعد اتفاق الطائف وفي محطات عديدة ومتلاحقة منذ التسعينيات ثابر الرئيس نبيه بري من موقعه كرئيس للمجلس النيابي على اقتراح المبادرات الهادفة إلى تطبيق بنود الطائف الإصلاحية وقد أبقى تلك البنود حية في خطابه السياسي ومبادراته التشريعية وتقدم بأفكار عملية للإصلاح الانتخابي في هذا الاتجاه.
ليست المرة الأولى التي يبادر فيها الرئيس بري إلى اقتراح قانون انتخابي على أساس نظام المجلسين وتأسيس مجلس الشيوخ وهو كان دائما يتبنى اعتماد النظام النسبي وضمان صحة التمثيل والتكافؤ السياسي في المنافسة الانتخابية والسياسية ولذلك يجب الاعتراف بأن مثابرة الرئيس بري على الدعوة إلى الإصلاح الانتخابي وتطوير الحياة السياسية قوبلت كل مرة بالصد والرفض من قوى واطراف عديدة والخصوم المفترضون لفكرة تصحيح التمثيل معروفون ومن يحاول إنشاء خصومة افتراضية مع رئيس المجلس حول ذلك الموضوع يخطيء العنوان بكل تأكيد ويمارس ظلما كبيرا وتجاهلا للوقائع السياسية العنيدة.
رابعا من خرافات التصنيع السياسي وتجاهل الوقائع ان يتهم الرئيس نبيه بري بأنه كان وراء محاولة التمديد للمجلس النيابي الحالي بذريعة الاحتفاظ برئاسة المجلس فالجميع يعلمون صحة ويقين ما اكده السيد نصرالله عن كون الحجم التمثيلي لتحالف امل حزب الله مضمونا أيا كان قانون الانتخاب والجميع يعلم كذلك انه بعد الانتخابات وأيا كان القانون فالرئيس نبيه بري هو المرشح الطبيعي لهذا التحالف إلى رئاسة المجلس النيابي وما يفترض سوى ذلك تخريف وتهيؤات لا مكان لها.
الوقائع الفعلية تقول إن طرح التمديد والعمل لترويجه كان بالأصل خيار الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل لاعتبارات وأسباب معلومة في مقدمتها الخشية من نتائج الاستحقاق الانتخابي ومن تبعاته السياسية والعملية والرفض المسبق لفكرة اعتماد النسبية وهو موقف عملي اتخذ جهارا وأعلن تحت طائلة التهديد بمقاطعة الانتخابات وقد قاد الرئيس فؤاد السنيورة رئيس كتلة المستقبل عمليات التصدي لأي اقتراح قانون يطرح في مجلس النواب يعتمد النسبية كما كان موقف المستقبل المتشدد ضد تغيير القانون والإصلاح الانتخابي الذي يضمن تصحيح التمثيل خلف تعطيل الجلسات واللجان المخصصة لمناقشة قانون الانتخاب خلال السنوات الثماني الماضية وهذا ما خبره نواب التيار الوطني الحر عن قرب.
خامسا طرأ تغيير إيجابي على موقف الرئيس سعد الحريري مؤخرا باتت معه النسبية مرجحة كخيار وهذا خبر سعيد بالنسبة للرئيس نبيه بري ولحركة امل ولحزب الله ولسائر القوى المؤمنة بالإصلاح الانتخابي والتي ناضلت في سبيله بصدق وأمانة خلال عقود.
نقف اليوم امام فرصة إنجاز ممكن لعهد الرئيس ميشال عون يستدعي تصميما على تجاوز الخنادق الافتراضية والمبادرة معا وبالشراكة مع الرئيس نبيه بري وسائر الشركاء إلى تحقيق هذا التحول الذي يدفع الحياة الوطنية في نقلة كبيرة إلى الأمام تزيح شكاوى الغبن وتحتوي هواجس التمثيل عند سائر الأطراف من خلال الخيار الوفاقي الذي دعا إليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بروح الحرص على الوطن وعلى العهد معا ومن يشتت الجهود بعيدا عن هذه الغاية بدافع من كيد أو وهم يسهم في تضييع فرصة ثمينة وتاريخية ويستغرق في مصارعة طواحين الهواء.