درس جديد من كوريا
غالب قنديل
الرئيس الأميركي المتغطرس دونالد ترامب وخلافا لعادته بدا غاية في التهذيب واللياقة عندما أعلن انه سيتشرف بلقاء الرئيس كيم جونغ أون عندما تسمح الظروف وبدت هذه العبارة انقلابا كاملا على لهجة التهديد والوعيد التي كان يستخدمها قبل ساعات ضد جمهورية كوريا الديمقراطية فما الذي عدا ما بدا ؟
تمسكت كوريا الديمقراطية بحقوقها بامتلاك الردع النووي ورفضت الإذعان للتهديد الإمبريالي وقامت بتحركات عسكرية استعرضت فيها قدرتها على الردع ومضت في تجاربها النووية الباليستية غير آبهة بالتهديد الأميركي الذي صاحبته موجة جديدة من حملة مكثفة لشيطنة الزعيم الكوري الذي فرض على الرئيس الأميركي بهيبة القوة الرادعة ان يتأدب في المخاطبة بينما أرعبت كوريا الديمقراطية وزير الحرب الصهيوني وأركان الكيان الصهيوني عندما انذرت الدولة العبرية برد ماحق على قلة ادب وزير الحرب ليبرمان الذي أساء إلى كرامة شعب كوريا وزعيمها الوطني في تصريحات غلب عليها التزلف لواشنطن واستحق بذلك إجماعا سياسيا صهيونيا في اللوم والتأنيب بعد الرد الكوري القاسي والمخيف.
هذا الدرس الكوري حري بنا نحن الوطنيون العرب ان نتعلم منه مجددا فكوريا قدمت دليلا لشعوب الأرض حول الاعتماد على القدرات الذاتية في البناء الوطني المستقل بتحولها إلى قوة نامية تمتلك قدرات دفاعية مهمة وخبرات تكنولوجية متقدمة وهي في المجابهة الأخيرة اعتمدت على قوتها الذاتية رغم ان حليفتيها الصين وروسيا لم تعلنا شمولها بالمظلة النووية واتخذتا مسافة سياسية واضحة عن المواقف الكورية التي تحدت بها بيونغ يانغ الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية المتغطرسة وقد تبين أنها كانت طريقة ذكية لفضح حقيقة المعادلات فمن يتراجع امام كوريا ماذا سيفعل امام الصين او روسيا في أي اختبار جدي؟!.
حاولت واشنطن التلاعب للإيحاء والدس حول ما صورته تعارضا صينيا وروسيا مع كوريا لكن جاءت النتائج توضح ان ثبات الإرادة وقوة العزيمة يمكن ان يفرض على الولايات المتحدة ورئيسها الفظ تراجعا واضحا بهذا القدر الذي بدا انهزاما كبيرا امام قوة إقليمية صاعدة وهو عبرة مختصرة عن التوازن الفعلي الذي بات يحكم العالم مع صعود القوى العالمية الشرقية الجديدة .
لا قوة المنطق ولا شكليات المرافعات الحقوقية ولاحصانة العدالة الافتراضية يمكن أن تحمي الحق ومن البديهي ان يستباح الموقف أو الحق الذي لا تحميه القوة في هذا العالم المتوحش الذي تسوده قوى الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة التي تسخر لصالحها كل خرافة القوانين والأعراف الدولية لبسط هيمنتها الاقتصادية والعسكرية ولفرض سيطرتها على الشعوب المنهوبة والمستلبة.
الإمبراطورية التي ألقت قنابلها النووية وسلحت الكيان الصهيوني بأدوات القتل الجماعي وشنت حروب العدوان والتدمير الدموية في سائر انحاء العالم وخلفت ملايين الضحايا والمشردين في العراق وأفغانستان وسورية وليبيا واليمن وغيرها هي التي تضع المعايير القانونية وتوجه الاتهامات لمن تستهدفهم وهي لا تردع بغير القوة والقدرة العسكرية وبثبات الإرادة الحرة عند الشعوب وفي التاريخ المعاصر كلما كانت تصعد قوة قاهرة تفرض الاعتراف الدولي كانت تنضم بالقوة إلى نادي الدول العظمى صاحبة الفيتو والسطوة في ما يسمى زورا بالمجتمع الدولي تلك هي سيرة العالم منذ الحرب الكونية الثانية.
درس نحتاج إليه اليوم لبنانيا في صد الحملات التي تشن ضد مقاومتنا ودرعنا الحامي باعتراف العدو الصهيوني وفي وجه الرجعية العربية التي تتكالب لتجريد البلدان والشعوب المقاومة من عناصر قوتها الحامية والرادعة وهي تعمل منذ عقود بقيادة واشنطن والغرب كله لنزع سلاح الشعب الفلسطيني وكسر مخالبه وأسنانه في وجه الوحش الصهيوني الكاسر لقاء اكاذيب التسويات والحلول السلمية الخادعة.
درس كوريا نقيس عليه انحيازنا الكامل إلى الجمهورية العربية السورية في وجه العدوان الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة ودول الاستعمار الغربي والحكومات الرجعية العميلة في المنطقة ونتمسك اكثر بدعوتنا إلى امتلاك سورية مزيدا من أسباب القوة والتماسك الشعبي دفاعا عن الوطن واستقلاله بعدما ظهر الغزاة الأميركيون على الأرض وكثف المحتلون الصهاينة نشاطهم في الحرب على سورية بشراكة واضحة مع الحكومات الإقليمية الرجعية المعروفة لتعويض اندحار عصابات الإرهاب متعددة الجنسيات التي شنت الحرب بواسطتها.
الدرس الكوري يقول لنا ان المزيد من القوة لتحالف سورية مع الصين وروسيا وإيران وكوريا وحزب الله هو سبيل الدفاع عن محور المقاومة وعن شعوب المنطقة كافة.
لا تخشوا من الدعاية الغربية ومن الشيطنة الاستعمارية وترهيبها المعنوي بل اعتمدوا على إرادة المقاومة وعلى تنمية قوتكم الذاتية وقدراتكم الوطنية في وجه التهديد والعدوان … رسالة موجهة إلى جميع شعوب الأرض المستضعفة والمستهدفة تحمل توقيع الشعب الكوري وزعيمه الوطني كيم جونغ أون والعبرة لمن يعتبر!.