مقالات مختارة

انتصار آخر ويضيع الرئيس!: ايال زيسر

 

في يوم الاحد، يوم الاستفتاء الشعبي في تركيا، من اجل المصادقة على تغيير الدستور، كان من المفروض أن يكون يوم رئيس تركيا رجب طيب اردوغان الكبير. يوم يقف فيه معظم الاتراك من ورائه، ويمنحونه التأييد الساحق لاحداث التغيير الذي سيزيد قوته وصلاحياته كرئيس. اضافة إلى الانتقال إلى طريقة الحكم الرئاسية كما في الولايات المتحدة، لكن بدون مجلس شيوخ ووسائل إعلام تتنصت وتكبح الرئيس، تغيير الدستور يهدف إلى تمكين اردوغان من البقاء في منصبه حتى 2029. وهذه فترة كافية لتغيير وجه الدولة من الاساس. وشطب إرث مؤسسها كمال اتاتورك واعادة بنائها من جديد حسب اردوغان، كدولة تدير الظهر للغرب وتتجه نحو ماضيها العثماني والإسلامي.

كل شيء كان مُعدا لاحتفال الانتصار. في نصف السنة الماضية، منذ قمع محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، التي لم يتبين حتى الآن من وقف من ورائها، تعرضت تركيا إلى الرعب الذي يستطيع اردوغان فقط نشره. 100 ألف موظف دولة تقريبا، ومن ضمنهم قضاة ورجال شرطة وجنود واكاديميون وصحافيون، تمت اقالتهم من وظائفهم، و40 ألف منهم تم سجنهم بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب. وقد قام اردوغان، كالعادة، بتأجيج الغرائز، خوف وهدد، بل وأثر على العلاقة بين تركيا والاتحاد الاوروبي وحول الاوروبيين إلى كيس للكمات، مثلما فعل في السابق مع إسرائيل، وكل ذلك من اجل الحصول على الاصوات.

لقد خاب أمل اردوغان. الاصلاحات التي أراد ادخالها إلى الدستور تمت المصادقة عليها باغلبية بسيطة، 51 في المئة فقط. فعلى الرغم من الانتخابات الصاخبة وحملات التخويف، إلا أن نصف اصحاب الاقتراع في تركيا، أي 24 مليون شخص، لم يرتدعوا وقالوا «لا» لاردوغان. والأمر البارز بشكل خاص هو حقيقة أنه في معظم المدن الكبرى والهامة ومراكز الحكم والثقافة والاقتصاد، مثل اسطنبول وأنقرة العاصمة وأزمير وديار بكر، سجل خصوم اردوغان الانتصار، ليكتفي بالتأييد الواسع الذي حصل عليه في المناطق الريفية في الدولة.

نتائج الاستفتاء تشير إلى أن قوة اردوغان تنبع من ضعف خصومه، حيث أنهم منقسمون وتنقصهم الشخصية الكاريزماتية التي تقودهم في المعركة السياسية الدائرة على مستقبل الدولة. ويصعب التفكير بقاسم مشترك بين الاكراد في شرق الدولة الذين قالوا لا لاردوغان وبين النخب في اسطنبول وأنقرة، التي تعادي اردوغان ايضا، وتعطي ولاءها لارث اتاتورك، لكنها ترفض التحدث مع الاكراد والاعتراف بهم كجزء مميز في النسيج التركي.

يصعب اعتبار نتائج الاستفتاء الشعبي على أنها تفويض واضح لاردوغان من اجل احداث التغيير في الدولة التركية. وهذه اشارة تحذير لأنه ذهب بعيدا، لكن اردوغان لا يتوقف عند الضوء الاحمر. وقد أعلن أن اغلبية صوت واحد فقط في الاستفتاء الشعبي تعتبر انتصارا يمكنه من الاستمرار فيما يريد أن يفعله. اردوغان على قناعة بأنه سيبقى في الحكم إلى الأبد، لكن يومه سيأتي.

السؤال هو ما الذي سيبقى من تركيا، الدولة التي التزمت بالعلمانية والتقرب من الغرب والانفتاح والديمقراطية، بغض النظر عن النواقص فيها.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى