تحتفل اسرائيل في هذه السنة بيوبيل الاحتلال بدل أن تبكي بسبب هذه الكارثة: جدعون ليفي
هذا هو عام اليوبيل. 50 سنة على الكارثة اليهودية الاكبر منذ الكارثة. 50 سنة على الكارثة الفلسطينية الاكبر منذ النكبة. هذا عام اليوبيل للنكبة الثانية لهم والنكبة الاولى لنا. قبل بدء الاحتفالات بمرور خمسين سنة على “تحرير” المناطق، يجب علينا تذكر أن الحديث يدور عن كارثة. كارثة كبيرة للفلسطينيين بالطبع، لكن ايضا كارثة مصيرية لليهود هنا. لذلك يجب أن تكون سنة 2017 هي سنة حساب النفس في اسرائيل، سنة حزينة لا مثيل لها. ومن الواضح أن هذا لن يكون، حيث تسعى الحكومة الى تحويل هذه السنة الى سنة الاحتفالات. فقد تم تخصيص 10 ملايين شيكل. 10 ملايين شيكل من اجل الاحتفالات بمرور خمسين سنة على الدوس على شعب آخر والفساد الداخلي والعفن.
إن الدولة التي تحتفل بيوبيل الاحتلال هي دولة فقدت الشعور بالواقع، وتشوش التمييز بين الجيد والسيء. يمكن الاحتفال بالانتصار في الحرب، لكن الاحتفال بمرور عشرات السنين على الاحتلال العسكري الفظ؟ ما الذي يجب الاحتفال به؟ خمسون سنة من سفك الدماء والاعتداء والسادية؟ فقط المجتمعات التي لا ضمير لها تحتفل بيوبيل كهذا، ليس فقط بسبب المعاناة التي نتسبب بها للفلسطينيين، محظور علينا الاحتفال باليوبيل، بل بسبب الخجل مما حدث منذ العام 1967 وهو الصيف الذي انتصرت فيه اسرائيل في الحرب وخسرت تقريبا كل شيء. كارثة كبيرة اصابتها، مثل الكيبوتس الذي دمرت مساحته الكبيرة طبيعته، مثل جسم سليم أصبح يعاني من الاورام الكثيرة، هكذا نمت اسرائيل في صيف 1967 وأصبح الـ دي.ان.ايه الخاص بها مريض. يكفي النظر الى القدس مثلا: تحولت من مدينة جامعية ساحرة الى وحش حرس الحدود.
لقد بدأ هذا في الاحتفال القومي الديني المتطرف الذي جر الجميع، باستثناء عدد صغير من الأنبياء، واستمر الأمر الى الآن، من خلال غسل الادمغة. وفي حالة اسرائيل الحجم هو الذي يقرر: هذا حولها الى دولة شيطانية، عنيفة، قومية ومتطرفة، دينية وعنصرية. وهي لم تكن مثالية قبل ذلك، لكن في 1967 زرعت فيها بذور الشيطانية. محظور علينا تحميل الاحتلال المسؤولية عن كل مشكلات الدولة – ليس كل من يحمل سكين في النادي هو خريج كتيبة “كفير” – ولا يجب أن نعتقد أن كل شيء أسود كي نعرف حجم الكارثة. لقد تحولت من دولة قامت من اجل الانقاذ، متواضعة، بدون أمن، مترددة، تسجل انجازات، تحولت الى دولة منبوذة ومتعجرفة، تفخر بها الدول التي تشبهها فقط.
لقد بدأ كل ذلك في 1967. وهذا لا يعني أن 1948 كانت طاهرة، لكن 1967 سرعت التدهور ومأسسة هذا التدهور. وأوجدت ادارة الظهر للعالم واستعراض القوة. في العام 1967 بدأ الاحتلال وأرسل اذرعه الى الداخل، من الحواجز في الضفة وحتى مناطق الترفيه في تل ابيب، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وحتى الشوارع في البلاد والطوابير أمام الحوانيت. لغة اسرائيل تحولت الى لغة القوة في كل مكان، النجاح في “الايام الستة” كان أكبر من حجمها – توجد نجاحات كهذه – وبعد ذلك نعتقد أنه مسموح لنا فعل كل ما نشاء. بدأ ذلك بالألبومات والاغاني “ناصر ينتظر رابين” و”عدنا اليك ثانية يا شرم الشيخ”. وبعد ذلك ظهرت العلامات الخبيثة: المتدينون تحولوا فجأة الى مسيحانيين، والمعتدلون تحولوا الى قوميين متطرفين. ومن هنا أصبحت المسافة قصيرة. لم يوقف أي شيء تحول اسرائيل الى ما أصبحت عليه، لا في الداخل ولا في الخارج. لقد خلدت الاحتلال رغم أنها لم ترغب به من الوهلة الاولى كما يبدو، انشأت نظام فصل عنصري في المناطق لأنه ليس هناك نظام احتلال آخر.
الآن هي هنا، قوية ومسلحة وأكثر ثراء من العام 1967. فاسدة ومتعفنة مثلما هي دولة الاحتلال، وهذا ما يجب أن نحتفل به. وهذا ما يجب أن نبكي بسببه.
هآرتس