بداية معركة استراتيجية على إدلب: تسفي برئيل
قبل شهر تم اقتباس اقوال ضابط روسي رفيع المستوى في موقع «البوابة» العربي، والذي قال إن المعركة الكبرى على إدلب في سوريا ستبدأ قريبا. وحسب اقوال المسؤول الروسي الذي لم يذكر اسمه، ستجند سوريا وروسيا 25 ـ 30 ألف مقاتل من اجل احتلال المدينة، في المعركة التي قد تستمر بضعة اشهر. فهل القصف بالسلاح الكيميائي على خان شيخون، الذي يبعد 50 كيلومتر عن إدلب هو بداية هذه المعركة ـ أم أن هذه تصفية حسابات انتقامية مع المتمردين الذين تركزوا في المحافظة الاكبر والتي يعيش فيها نحو مليون ونصف انسان؟ إذا كان الحديث يدور عن معركة شاملة فلماذا تم اختيار السلاح الكيميائي، وما هي أهمية إدلب في الاصل؟.
في السنة الماضية تحولت المدينة إلى المدينة الثانية التي تم احتلالها من قبل المتمردين، والمدينة الاولى التي انسحب منها داعش وأصبحت ملجأ للمتمردين الذين وصلوا اليها من مناطق كثيرة وبعيدة مثل دمشق وحلب وحماة. والتقدير هو أنه في هذه المدينة هناك 6 ـ 10 آلاف مقاتل «من الخارج»، معظمهم اعضاء مليشيات إسلامية مثل «فتح الشام»، التي هي مليشيا جديدة تشمل نشطاء من جبهة تحرير الشام وأحرار الشام وغيرهم، اضافة إلى الوحدات التي يتشكل منها «جيش إدلب الحر».
اغلبية المقاتلين من الخارج وصلوا إلى إدلب كجزء من اتفاق وقف اطلاق النار المحلي، الذي طلب فيه نظام الأسد انسحابهم من المدن والقرى التي فرض عليها الحصار، كشرط لرفعه. هذه هي الاستراتيجية التي تشرف عليها روسيا في بعض اجزاء من الدولة وتلاقي نجاحا نسبيا. ومؤخرا انضمت إيران التي كانت شريكة في اتفاق رفع الحصار عن مدن مضايا والزبداني مقابل تحرير كفرية وفوعة، حيث كان السكان الشيعة في معظمهم محاصرون إلى جانب المقاتلين الإيرانيين. هنا ايضا سمح لمقاتلي المليشيات الذهاب إلى إدلب.
تركيز المتمردين في هذه المحافظة ليس صدفيا. فبعد احتلال النظام لحلب كان من الواضح أن إدلب ستكون الهدف التالي.
خلافا لحلب، التي أدار فيها المتمردون والجيش حرب مدن، اعتمد فيها المتمردون على استراتيجية الدفاع والتحصين، الامر الذي مكن الجيش السوري وسلاح الجو الروسي من تركيز الجهود للقضاء على المقاومة، إدلب قصة مختلفة.
فهذه محافظة قروية مفتوحة وواسعة من ناحية الطبوغرافيا التي تمكن من الاختباء وتوزيع قوات العصابات. في جزء من المحافظة توجد مغارات طبيعية يمكن وضع فرق مقاتلة فيها دون تمكن سلاح الجو الروسي من قصفها. هدف الجيش السوري هو تركيز المتمردين بقدر الامكان في إدلب نفسها، وتحويلها إلى سجن يمكن احتلاله في حرب المدن. محللون سوريون قالوا إن هذه كانت استراتيجية روسيا في الشيشان، حيث كان الهجوم الروسي يخرج من الضواحي والقرى المحيطة بغروزني من اجل تركيز المتمردين الشيشان في العاصمة، التي جرت فيها في نهاية المطاف حرب ابادة.
نظام الأسد يولي أهمية لإدلب، ليس فقط لأنها ملجأ المتمردين، بل لأنهم يخرجون منها من اجل الهجوم على المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري مثل مدن الشاطيء في اللاذقية وحماة ودمشق. واضافة إلى ذلك، إدلب تبعد بضع كيلومترات عن الحدود التركية، ويستطيع المتمردون عن طريقها الحصول على السلاح والذخيرة والمساعدات الاخرى، لذلك من المهم بالنسبة للاسد عزل هذه المحافظة عن مسار الدعم. إدلب ايضا توجد في منتصف الطريق الرئيس بين حلب وحماة، ولخلق تواصل جغرافي بين هاتين المدينتين من المهم احتلال المحافظة. وبذلك يتم استكمال احتلال شمال غرب سوريا. ولكن القتال التقليدي في منطقة واسعة جدا ولفترة طويلة هو تقريبا مهمة مستحيلة بالنسبة للجيش السوري القليل والمرهق. وكذلك المساعدات الجوية الروسية ستجد صعوبة في تحقيق الهدف، لذلك يبدو أن الخيار السوري هو استخدام السلاح غير التقليدي.
هناك ضرر كبير للسلاح الكيميائي. وهو السلاح الذي يبث الرعب ولا يمكن الهرب منه. ويمكن أن استخدامه في خان شيخون وليس في إدلب، هدف إلى دفع المتمردين للخروج من مخابئهم والهرب إلى إدلب، الامر الذي يخدم خطة النظام الاستراتيجية.
وهناك احتمالية اخرى وهي أن القصف يسعى إلى جعل السكان في المحيط يخرجون ضد المتمردين كي يغادروا القرى والذهاب إلى المدينة. هذه الاستراتيجية يمكنها الاعتماد ايضا على الصراعات المحلية الداخلية بين المليشيات المختلفة في المحافظة والتي قضي على البعض منها في تبادل اطلاق النار.
هذه المليشيات توجد الآن بدون مظلة دولية، لا سيما بعد توقف ادارة ترامب عن تقديم المساعدة للمليشيات التي لا تشارك في الحرب ضد داعش، واعتبار الولايات المتحدة أن موضوع اسقاط الأسد ليس خيارا هاما للولايات المتحدة، ومن يقدم بعض المساعدات للمليشيات في إدلب هي السعودية وقطر وتركيا. ولكن هذه المساعدات محدودة ولا تقدم بنى لوجستية مناسبة من اجل الصمود العسكري.
هناك دول عربية اخرى تدير ظهرها للمتمردين، والتي رغم تنديدها بالهجمة الكيميائية، لم تعتبر الأسد هو المسؤول عن ذلك. وكان من اللافت رؤية الرد المصري الذي قال إن الهجمة تؤكد على ضرورة الاسراع في الحل السياسي. ولم يتم ذكر الأسد وروسيا وإيران. ويمكن القول إن الاعلان المصري اعتمد على اللقاء الذي جرى أول أمس بين الرئيس الأمريكي والرئيس السيسي، وهو اللقاء الاول منذ اندلاع الربيع العربي.
لقد وضع الأسد المجتمع الدولي أمام مفارقة. كيف يجب الرد على الهجمات الكيميائية دون الرد فعليا. أي كيف يمكن القاء المسؤولية على الحليف الروسي دون مواجهة الفيتو الروسي ودون التعهد بالعمل العسكري ضد النظام. سيكون هذا امر هام في المحادثات الدبلوماسية، وسيكون الأسد مسرورا عند سماعه اقوال الأمم المتحدة وهي تخرج من النوافذ. ولكن في الوقت الحالي يمكن أن ينجح في تحويل السلاح الكيميائي إلى سلاح «متفق عليه»، وكأنه سلاح تقليدي.
هآرتس