بقلم ناصر قنديل

الحرب ليست خياراً «إسرائيلياً» بل الحزام الأمني

nasser

ناصر قنديل

– على رغم الوقع المعنوي الذي حققته «إسرائيل» بالغارة التي استهدفت رجال المقاومة واغتالتهم، فإنّ ذلك لا يتعدّى كونه ربحاً تكتيكياً موضعياً وظرفياً، يختصر بأنّ «إسرائيل» قالت لسيد المقاومة أنّ اللعبة لم تنته وأنّ لديها بدائل وخيارات للعجز عن الحرب والخشية من السلم وخيارها هو حرب استنزاف على الجبهة السورية، كانت أولى طلائعها الغارات الأخيرة على منطقة الديماس في ريف دمشق واستهدافها سلاحاً متجهاً إلى المقاومة، وتوجتها غارة أول من أمس باستهداف مجموعة للمقاومة من مقاتلين وقادة ورموز، وهنا في المقابل للربح «الإسرائيلي» المعنوي الموضعي والظرفي خسارة معنوية للمقاومة برمزية الشهداء ومكانتهم.

– مثلما يتحكم بحجم الربح «الإسرائيلي» تزاوجه زمنياً مع المعادلات القوية التي رسمها قائد المقاومة وأتاحت الغارة لـ«إسرائيل» الإيحاء بتحدّيها، سيتحكم الخطاب وتوقيت الغارة بطبيعة ردّ المقاومة لتأكيد المعادلات التي رسمها قائد المقاومة، ويصير السؤال إذا كان سيد المقاومة رسم معادلة أنّ اللعبة انتهت فهو أوضح ذلك بالإشارة إلى أبعاد ثلاثة هي، لا فرصة لتغيير معادلة سورية وإعادة الحياة لمشروع إسقاط النظام، ولا فرصة لتغيير اتجاه الملف النووي الإيراني والمفاوضات حوله والاتجاه لتكريس مكانة إيران كقوة إقليمية ودولية صاعدة، ولا فرصة لتغيير واقع «إسرائيل» ككيان عاجز عن الذهاب للحرب، فيصير السؤال هل تملك «إسرائيل» عبر الغارة خريطة طريق تسمح بجعلها مدخلاً لتغيير هذه المعادلات أو واحدة منها على الأقلّ لتقول إنّ اللعبة لم تنته؟

– التحدي أمام «إسرائيل» في كيفية فتح مسار من هذه العملية لأحد الخيارات الثلاثة، ردّ الاعتبار لقدرة «إسرائيل» كدولة جاهزة للحرب، أو ردّ الاعتبار لفرص تغيير موازين القوى داخل سورية، أو ردّ الاعتبار لإفشال مفاوضات الملف النووي الإيراني، والواضح أنّ الأمور محصورة بين خياري ربط العملية بمسار للتدخل «الإسرائيلي» في الحرب السورية، والحرب مع المقاومة، بعيداً عن فرص افتراضية للربط بالملف النووي الإيراني ومفاوضاته التي لا يمكن افتراض أي صلة لها بالعملية، والأمر إذن بين خياري تغيير المشهد السوري أو توازن الردع مع المقاومة، أو كليهما، ليكون الردّ بداية حقيقية للقول إنّ اللعبة لم تنته.

– فتح ثغرة بين العملية والتغيير في سورية من جهة والتوازن مع المقاومة مع جهة أخرى يتوقف على تحويل الغارة إلى مسار يترجم بعملية متدحرجة تخرج المقاومة من الجولان من جهة، وتحكم سيطرة «جبهة النصرة» عليه وصولاً للتواصل عبره مع الجغرافيا اللبنانية من جهة أخرى، وبالتالي تحوّل العملية الأمنية إلى عمل عسكري لـ«النصرة» مدعوماً من «إسرائيل» بالنار اللازمة بعدما بدت قدرة «النصرة» ومن معها مسقوفة لجهة إمكانية تحقيق هذا الهدف، وبدا أن حزب الله قد نجح في حجز جغرافيا له على المسارات الرابطة بين لبنان وسورية، فهل تذهب «إسرائيل» إلى خيار الدخول الميداني على خيار إخراج حزب الله من الجولان والحدود اللبنانية السورية وصولاً لمنح «النصرة» فرصة التموضع في الأراضي اللبنانية المتاخمة لحدود الجولان وفلسطين؟ وما لم تفعل «إسرائيل» ذلك فهي لن تملك رأس الجسر الذي يتيح لها أن تدعي بقاء اللعبة مفتوحة وسيكون عائدها محصوراً بالجانب التكتيكي المعنوي وبالخسارة التي لحقت بالمقاومة والتحدي المعنوي الذي فرضته عليها.

– بالمقابل يشكل التحدي الذي فرضته العملية بعد كلام قائد المقاومة، سبباً لرد يؤكد أن اللعبة انتهت، أي أن «إسرائيل» عاجزة عن الذهاب للحرب، من جهة، وأن الوضع في سورية يتجه لمصلحة الدولة بصورة غير قابلة للتغيير، من جهة أخرى، والمقاومة تنطلق مما بين أيديها، وبيدها اليوم أول مؤشر لنضوج «إسرائيل» للتسليم بهذه الحقيقة، عبر تفادي اللجوء «الإسرائيلي» لأي عمل عبر الحدود مع لبنان، لكون معادلات الردع تحكم تلك الجبهة بوضوح لا لبس حوله، ليصير إثبات عجز «إسرائيل» عن الحرب مدخله عجزها عن الرد على الرد، بحجم يستدعي حرباً وهروبها إلى ما دون الحرب، وبالمقابل، تقديم الرد بصياغة تسمح بقراءته إثباتاً للتغيير المحسوم في سورية لمصلحة الدولة السورية وجيشها ومعهما المقاومة التي صارت موجودة في الجولان وستنقل فائض قوتها وقدرتها الردعية إلى هناك، فالقضية إذن هي من يحسم سيطرته على الجولان وفقاً لمعادلاته، هل تثبت المقاومة هناك وتحكم إغلاق المنافذ نحو لبنان، أم تتقدم «النصرة» تحت غطاء النار «الإسرائيلية»؟ وإذا ذهبنا أبعد هل يكون التغيير في الموازين الذي تنتجه العملية عبر الرد الذي ستفرضه، مدخلاً لإخراج «جبهة النصرة» من جبهة الجولان تحت العين «الإسرائيلية»، من دون أن تتجرأ «إسرائيل» على المخاطرة بتدخل يتخطى رفع العتب، أم يصل التعامل «الإسرائيلي» إلى حد التهديد بالدخول في حرب؟

– معنى أن «إسرائيل» ستدفع الثمن غالياً هو أن تخسر فرصة الحزام الأمني الذي اشتغلت عليه طويلاً والذي أرادته بوابة مقايضات تحلم بأن توصلها لقرار أممي تحتمي وراءه ينهي وجود حزب الله على جبهة الجولان ويوصلها لما يشبه القرار 1701، طالما أن وجود المقاومة هناك والذي استهدفت رمزيته الغارة يؤكد أن الجبهة قد فتحت وأن الحزام الأمني لن تقوم له قائمة.

– الرد في يوم قادم وإن غداً لناظره لقريب.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى