سقوط أستانة في جنيف
ناصر قنديل
– لم يكن لقاء أستانة اجتماعاً تقنياً لتثبيت وقف النار بقدر ما كان فرصة قدّمتها روسيا لتركيا للتموضع وجلب مَن معها من فصائل مسلّحة تعرف موسكو تاريخاً وخلفياتها الدموية والإرهابية، إلى ضفة جديدة في الحرب محورها التخلي عن جبهة النصرة والاستعداد للانضواء في تحالف عنوانه الحرب على النصرة ونيل المقابل بدور لتركيا والفصائل في تسوية سياسية تحت سقف الدستور السوري وعباءة الرئيس السوري والجيش السوري تنتهي بدستور جديد وانتخابات، ووقف النار كان تقدمة روسية لتركيا والفصائل لتسهيل هذا التموضع، وليس قضية قائمة بذاتها ولا هدفاً بذاته.
– مهما حاولت الفصائل ومن ورائها تركيا ومن أمامها السعودية ووفد الرياض المفاوض لتبييض صورة ما يُرى، فالمشهد يجمع جبهة النصرة وعلى يمينها فيلق الرحمن الذي تديره تركيا وعلى يسارها جيش الإسلام الذي تشغله السعودية، والمشاركان في أستانة تحت عنوان فصل النصرة عن الفصائل، وذلك يعني سقوط أستانة كمسار والعودة بالحرب في سورية إلى مرحلة ما بعد سيطرة الجيش السوري وحلفائه على الأحياء الشرقية في حلب، واعتبار هجمات دمشق وريف حماة رداً على انتصار حلب.
– تركيا التي حاولت مقايضة سيرها في مسار أستانة بداية بحجز مقعد لها في التفاهم الروسي الأميركي المقبل، ولما تأخر حاولت بيعه للأميركيين بالعداء لإيران والانتظار في سورية ولما لم ينفعها دخول مدينة الباب كجواز مرور إلى منبج وفوجئت ببطاقة أميركية حمراء، عادت للمقايضة في أستانة، ثم تراجعت لأنها لم تحصُل من موسكو على موقف من الأكراد يلبي تطلعاتها باستئصالهم، هي تركيا ذاتها التي عادت الآن تقف وراء الفصائل لتوجه رسائل المشاغبة للقول لا يمكنكم تجاهلي فلا تزال هناك خيارات، والخيار الوحيد كما يبدو هو التموضع مع السعودية و«إسرائيل» للعب ورقة النصرة مرة أخرى.
– الاستقواء بالنصرة وتقويتها لتغيير قواعد الحرب والتفاوض سيف ذو حدين، فإن نجح قد يغير المعادلات مؤقتاً بتوازن سلبي يفرض زج المزيد من القوى والقدرات على سورية وحلفائها ليأخذها إلى الحسم الطويل والصعب، لكنه عندما يفشل فنتائجه ستكون مدوّية في الميدان والتفاوض، وما جرى في دمشق ويجري تباعاً في ريف حماة يقول إنها بدايات واضحة وحاسمة على مسار الفشل، والنتائج على تركيا والفصائل أبعد من الميدان والتفاوض، لأنها تعني سقوط مسار أستانة في موسكو.
– مسار أستانة روسي أصلاً، ولم يكن موضع حماس لا في دمشق ولا في طهران ولا لدى حزب الله، كما كانت الهدنة في مثل هذه الأيام العام الماضي، لكن روسيا حليف كبير ورئيسي ويهمّ الحلفاء أن تنضج خياراته بهدوء، لأنه معني بالظهور كمرجع للنزاعات الدولية يمنح الفرص للسلام والحلول السياسية. وهذه من موجبات الدولة العظمى التي لا تضرب خبط عشواء، لكن متى أقفلت أبواب الحلول فهي لا تفتحها مجدداً بل تضرب بقسوة وبدقة وبحسم، وهذا ما فعلته موسكو في حلب يوم حسمت أن طريق الحلول قد سقط بعد منحها شهوراً للتفاوض مع واشنطن وصناعة التفاهم معها. وهذا المعنى الأعمق لسقوط مسار أستانة.
– قال مصدر روسي إن الذين خرقوا وقف النار في ريف ردمشق وريف حماة سيدفعون ثمناً باهظاً لتلاعبهم وخداعهم، فكيف وهم يقاتلون مع النصرة؟
(البناء)