مبارك يعود إلى البيت!: سمدار بيري
مثلما في حملة عسكرية أخرجوا بسرية تامة يوم الخميس ليلا الامتعة الشخصية، كل ما تجمع في السنوات الثلاثة من الاعتقال في القسم الاكثر حراسة في المستشفى في حين المعادي. وفي الصباح وصلت السيارات، وادخل حسني مبارك في سيارة اسعاف تجاوزت أزمة السير في الطريق إلى حي هيليوبوليس. وهو لم يعد «المخلوع» بل «الرئيس السابق»، الذي يعود إلى منزل سكنه، الذي يطل على القصر الذي أدار منه مصر لثلاثين سنة. زقاق الشارع الصغير، والذي أعدوا له فيه عتاد الانعاش وفريق من ثلاثة اطباء، أغلقوه في وجه المشاة. وفي الحاجز لن يسمح إلا بدخول من لديهم تصاريح خاصة. احد لا يغامر.
فكروا في هذا: عندما يخرج رئيس عربي إلى الحرية بعد ست سنوات اعتقال، بعد أن ادخلوه في قفص من حديد واداروا ضده «محاكمة القرن»، فإن هذا حدث غير مسبوق ليس فقط في مصر. فلم يسبق أن كان حاكم أخر اطيح في اعقاب عصيان مدني، حوكم في محكمة عسكرية، وطالب الادعاء العام له بعقوبة الاعدام، وتراوح قرار الحكم بين الحكم المؤبد وعشرات السنوات في السجن، وثلاثة انظمة ـ عسكري، ديني إسلامي وشبه مدني ـ عالجت القضية. احد لم يصدق بأن هذا العجوز، الذي سيبلغ من العمر بعد شهرين 89 سنة، سيرى نور الشمس في الخارج في محطات حياته الاخيرة. في عهد المجلس العسكري الاعلى تلقى مبارك الاذن بالعيش في شرم الشيخ. وعندما صعد الاخوان المسلمون إلى الحكم، ارسل إلى قسم مغلق في سجن طرة. وعندما طير السيسي مرسي، حظي مبارك برفع للمستوى: غرفة مع اطلالة إلى نهر النيل ورعاية طبية ملازمة.
محاميه الشخصي فريد الديب (الذي دافع قبل، دون نجاح كبير، عن عزام عزام الإسرائيلي) أخذ مبارك كمشروع حياته. فقد عقد الصفقات، لم يتنازل للمدعين وعرف كيف يستخدم الإعلام. وتباهى الديب أمس بتفاصيل وجبة الافراج الاولى على طاولة الزبون الذي عاد إلى بيته: فلافل، فول مصري وعسل ملكات.
لقد اعلن مبارك بريئا من المسؤولية عن قتل مئات المتظاهرين ضده قبل ثلاثة اسابيع، وتأجل الافراج عنه عن قصد. فأجهزة الدولة سعت إلى قياس مستوى غضب الشارع، لضمان إلا يعود المتظاهرون وابناء عائلات الـ 850 قتيلا في الثورة إلى الميادين. فعندما يتفجر الغضب، من الصعب الاعتماد على قانون حالة الطوارىء او على دبابات الجيش المصري التي تحيط بميدان التحرير. في هذه الاثناء فإن هذا يمر بهدوء. من يغضب، ينفس على التويتر. نحو 90 مليون مصري منشغلون بملاحقة سلة الغذاء اليومية، يشتكون من ارتفاع اسعار بطاقات القطار السفلي الذي ينقل ابناء الحظ إلى اماكن عملهم.
مشوق أن نلاحظ الفوارق بين التقرير المنضبط في وسائل الإعلام المسيطر عليها في مصر وبين الصحافيين الغربيين الذين يأتون للدفاع عن الديمقراطية.
فهؤلاء يجدون من الصواب التشديد على أن حظ مبارك لعب في صالحه جدا عندما اصبح تلميذه السيسي هو الرئيس. اما اولئك بالمقابل فيجدون معنى خفيا في حقيقة أن مبارك هو آخر من افرج عنهم. فكل فلول حكمه ـ وزراء، موظفون كانت لهم مناصب اساسية ورجال اعمال عرفوا كيف يربطون بين المال والسلطة ـ سبق أن عادوا إلى بيوتهم. وبالمقابل، فإن الاف الثوار الذين ملأوا الميدان، شبان رأوا في لحظة واحدة بقعة نور، عالقون حتى اليوم في ظروف بائسة في السجون.
هذه بالضبط هي الرسالة التي ينطوي عليها الافراج عن الرئيس الذي اخرج في ظلمة الليل: لم تعد توجد ثورة. لقد أبقوا مبارك أخيرا، وليس ثمة من يأخذ المسؤولية عن قتل مئات المتظاهرين. بعد قليل سيبدأون بالحجيج اليه وهو سيكشف بعناية ما تراكم لديه في البطن. حين تكون ثورة التحرير شبه ميتة، فإن مرسي و «الاخوان» هم فقط أعداء الدولة. يمكن للسيسي أن يسافر بهدوء إلى القمة العربية، ليواصل اللقاء مع ترامب ويبدأ بالاستعداد للانتخابات للولاية الرئاسية الثانية.
يديعوت