لبنان يتمسّك بروزنامته النفطية ويُحاذر «الفخ» الاسرائيلي عماد مرمل
مرة اخرى، تحاول اسرائيل تحوير الحقائق المتصلة بالحقوق النفطية والحدودية العائدة للبنان، وتنبري الى شن ما يشبه «الحرب النفسية» عليه وعلى الشركات الدولية التي تتطلع الى التنقيب عن الغاز والنفط في مياهه الاقليمية، بغية اجهاض فرص الاستثمار في هذا القطاع المكتشف، والذي من شأنه ان يشكل احد اوراق القوة الوطنية بعد الانتهاء من سبر أغواره، والمباشرة في استخراج ما يختزنه من ثروة طبيعية واعدة.
ويبدو ان العدو الاسرائيلي بدأ بالترويج لادعاء مفاده ان الدولة اللبنانية وسّعت نشاطها البترولي الى خارج النطاق المسوح به، وصولا حتى المنطقة البحرية المتنازع عليها، في محاولة لثنيها عن اخضاع البلوكات الجنوبية الواقعة، على خط التماس البحري مع فلسطين المحتلة، لمفاعيل دورة التراخيص التي اطلقتها الحكومة مؤخرا.
وبمعزل عن هزالة المنطق الاسرائيلي المخالف للوقائع الجغرافية والقواعد الدولية، الا ان ما يلفت الانتباه هو ان هذه من المرات النادرة التي تشكو فيها اسرائيل من «اعتداء» لبناني على ما تزعم انها «حقوق» لها، ما يعكس مدى التطور المتراكم في قوة هذا البلد الذي كان دائما في موقع الضحية المعتدى عليها، بحيث اصبح متخصصا في تقديم الشكوى تلو الاخرى لدى الامم المتحدة، فاذا بالادوار تنقلب هذه المرة، بعدما قيل ان تل ابيب طرقت باب المنظمة الدولية بهدف «النميمة» على لبنان.
وما يعزز حراجة موقف اسرائيل انها لا تستطيع ان تذهب بعيدا في التهويل والحرتقة، خشية من ان تفقد هي ايضا فرصة استقطاب الشركات التي لن تستثمر في منطقة غير مستقرة.
ولكن.. كيف ستتعامل الجهات الرسمية المعنية مع الضغط الاسرائيلي الذي يتجدد كلما قطع لبنان شوطا اضافيا على طريق استخراج الغاز والنفط؟
يحاول لبنان طمأنة «زبائنه النفطيين» من خلال تأكيد التزامه بالقانون الدولي وبمسار المزايدة التي حُسمت قواعدها، فيما تؤكد مصادر وزير الطاقة سيزار ابي خليل لـ «الديار» ان الموقف الاسرائيلي يستهدف التشويش على الجهد الذي يُبذل لانجاح دورة التراخيص اللبنانية، بعد فشل دورة التراخيص التي اطلقتها اسرائيل في آذار الماضي، وهو الامر الذي دفعها الى تمديدها حتى تموز المقبل.
وتنبه مصادر وزير الطاقة الى ان اسرائيل تريد «ان تستدرجنا الى سجال علني معها بغية الايحاء للشركات الدولية الراغبة في التعاون معنا بانه لا توجد بيئة استثمارية آمنة في لبنان، خصوصا في البلوكات الجنوبية، مفترضة انها بذلك قد تنجح في تخويف تلك الشركات وتهشيلها».
وتشدد المصادر على ان من واجبنا عدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي، «وبالتالي ينبغي تجنب الانزلاق الى الرمال المتحركة التي يراد استدراجنا نحوها»، لافتة الانتباه الى ان افضل رد على كل هذا الغبار الاسرائيلي يكون في «ان نواصل عملنا وفق الروزنامة التي حددناها لانجاز دورة التراخيص وتوقيع العقود مع الشركات، من دون ان نتأثر بما يدور من حولنا». وتضيف: ليس علينا ان نطلق النار على أرجلنا ونسيئ الى مصلحتنا..
وتوضح المصادر انه لم يتلق اي اشعار من الجانب الاميركي او من الامم المتحدة في شأن طلب اعادة النظر في البلوكات المعروضة للتلزيم، «وبالتالي فاننا غير معنيين بكل ما يتسرب عن الطرف الاسرائيلي».
وتشير الى ان الوزارة تستثمر كل مناسبة مؤاتية وكل مؤتمر دولي حول الطاقة من اجل الاجتماع بممثلين عن الشركات النفطية، لجذبهم الى السوق اللبنانية وتحفيزهم على المشاركة في دورة التراخيص، موضحة ان هذا الجهد يتم عبر الوزير شخصيا حين يكون بمقدوره القيام بزيارات خارجية، او عبر اعضاء في هيئة قطاع البترول الذين يشاركون في هذه الانشطة.
وتلفت الانتباه الى ان هناك سباقا بين لبنان واسرائيل على اجتذاب الشركات، «التي علينا ان نعرف كيف نستقطبها ونربح هذا السباق».
وفي سياق متصل، أبلغت جهات مطلعة على مسار الملف النفطي «الديار» ان توتر اسرائيل يعود بشكل اساسي الى نجاح لبنان في اجتذاب اهتمام الشركات النفطية العالمية، كاشفة عن ان العيون الاسرائيلية كانت ولا تزال رصد حركة الخبراء اللبنانيين في المؤتمرات الدولية، «حيث يلتقون العديد من ممثلي تلك الشركات الذين يبدو ان اهتمامهم بـ «الخيار الاسرائيلي» اضعف بكثير، ما يُسبب ازعاجا للاحتلال».
وتشدد هذه الجهات على وجوب ان يبقى لبنان ممسكا بزمام المبادرة النفطية التي استعادها مؤخرا، وألا يسمح للعدو بقلب الحقائق، مشيرة الى ان المساحة البحرية التي يُفترض ان تخضع للسيادة الوطنية، وفق معايير القانون الدولي، لا تقتصر على ال850 كلم2 المتنازع عليها، بل هي تشمل ايضا 1300 كلم2 صادرتها اسرائيل وتضم حقلي كاريش وتانين وجزءا من حقل لفيتان. وتلفت الجهات المطلعة الانتباه الى ان هذا الجزء البحري المحتل يختزن قرابة 20 ألف مليار قدم مكعب من الغاز، ومليار برميل نفط.
وتكشف عن ان خبيرا دوليا حياديا في الحدود زار لبنان في شباط الماضي وابلغ المعنيين بانه يجب ان يطالبوا باستعادة مساحة الـ 1300 كلم2 ايضا، كونها تتبع للبنان وفقا للمقاييس الدولية المعتمدة في ترسيم الحدود.
(الديار)