ربيع سوري ساخن
ناصر قنديل
– لم يكن خافياً أن مسار أستانة الذي وجدته موسكو في لحظة مؤاتية لإيجاد بديل عن الغياب الأميركي عن مسارات صناعة التسوية السياسية الخاصة بسورية، جاء بفعل ظهور فرصة لتعاون تركي نوعي بعد هزيمة حلب التي أصابتها وأصابت معها القوى العسكرية الميليشياوية العاملة تحت عباءتها وغير البعيدة عن جبهة النصرة، والتي تعب الروس لجعل الأميركيين يتولّون مهمة فصلها عنها من دون طائل. وجاءت فرصة ان يتولى المهمة صاحبها الأصلي. فالتركي هو ملاذ النصرة وخط إمدادها وهو راعي الجماعات المسلحة المعنية. وقد فقد بعد حلب فرصة خوض حرب بالوكالة على سورية وفقد الأمل بنتائج هذه الحرب بعد سقوط القلعة التي مثلتها حلب وسقوط عنوانها باسم المعارضة المسلحة. وصار درع الفرات الذي شكّله للحرب على داعش، مجرد مصفاة لاستيعاب شتات التشكيلات التي رعاها ليجعل منها شريطاً أمنياً تركياً يشبه شريط جيش أنطوان لحد لحساب إسرائيل في جنوب لبنان قبل تحرير الجنوب.
– كانت المعادلة الروسية أن يقوم الأتراك بمهمة عزل النصرة وتجميع الميليشيات التابعة لهم ضمن درع الفرات لمقاتلة داعش، والشراكة بمسار ينتج مفاوضاً سورياً بديلاً وازناً عن معارضة الرياض قادراً على السير نحو تسوية عنوانها الشراكة مع تركيا في الحرب على الإرهاب، مقابل حجز مقعد تركي ثابت في النظام الإقليمي الجديد. وجاء التباطؤ الأميركي في التعاون مع روسيا لينتج تراجعات تركية كبيرة، ثم جاءت صفعة منبج للأتراك والتي لم تكن روسيا ولا سورية ببعيدتين عن صناعتها رداً على الخداع التركي في معركة الباب وإحراجاً للأميركي بمعادلة جديدة تقول باستحالة الجمع بين التحالف مع الأكراد والأتراك، فيمسك الروسي بيد التركي مجدداً ويمسك السوري بيد الأكراد.
– جاءت أستانة بنسختها الثالثة لتقول إن الجماعات المسلحة التي يدعي الأتراك سلطتهم الأحادية عليها، لا تزال استثماراً مشتركاً مع السعودية و»إسرائيل» والأميركيين، يثبت قدرته على التأثير لإعاقة التسويات. وهذا معنى مقاطعتها لأستانة رغم الاهتمام والحضور التركيين، أو لتقول إن التركي لا يزال يمارس التلاعب والخداع، بانتظار الأميركي، وفي الحالين لا مبرر لمواصلة الرهان على أستانة كمسار.
– التفجيرات الانتحارية التي تعصف بالمناطق السورية، وصمت المعارضات المسلحة والسياسية، يقولان إن الرهان على مسار سياسي أو أمني كمسار ينتج ديناميات تتطور بذاتها لم يعد له مكان، فالمبادرة العسكرية بيد الدولة السورية وحلفائها، ولا مبرر للتوقف أمام أكذوبة اعتبار وقف النار طريقاً للتسوية السياسية، ولا اعتبار أن تركيا تقدر أو تريد، أو تقدر وتريد، مساراً مستقلاً عن الأميركيين في مقاربة الحرب السورية، ولذلك يصير الوضوح هو الجواب، حرب على النصرة ومن يقف معها، ومسار سياسي بسقف واضح لمن يرغب وها هي جنيف موجودة، من دون شروط، بما فيها شرط وقف النار، فمن ينضج لسقف المشاركة بحكومة في ظل الدستور السوري والرئاسة السورية يجد له مقعداً حتى تقرر الانتخابات حجمه، ومن لا يريد فليحجز مقعده في الميدان.
– تأجيل أستانة لشهر أيار يقول إن نيسان سيكون شهراً ساخناً، وإن جنيف المقبل بعد أسبوع سيكون بارداً وباهتاً، خصوصاً مع ما بات واضحاً من تشجيع سعودي «إسرائيلي» للأميركيين لفصل معركة داعش في شمال سورية عن الحرب على المقاومة والجيش السوري في الجنوب، والاكتفاء بتسويات أمنية مع الروس شمالاً لضرورات الحرب على داعش، وإعاقة كل تسوية سياسية تشرّع التعاون مع الدولة السورية وتعيد لها حضورها الدبلوماسي وحركتها الاقتصادية لضرورات الحرب على الدولة السورية والمقاومة.
(البناء)