هل سيُشمر ترامب عن ذراعيه؟: ابراهام بن تسفي
للوهلة الاولى يمكن القول إنه حدث شيء ما في يوم الجمعة الماضي. ففي المكالمة الهاتفية التي اجراها الرئيس ترامب مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه حان الوقت لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن هذا الهدف قابل للتحقق. هذا الاستعداد العلني لوضع الصراع على سلم اولويات البيت الابيض قبل اقل من شهرين على تولي الرئيس الجديد، يثير سؤال أننا قد نعود في نفق الزمن إلى ادارات سابقة منحت الاولوية لحل الصراع مع الفلسطينيين والسعي إلى تحقيقه بسرعة. ولكن معاينة «المحرك» للرئيس الحالي مقارنة مع الرئيس كارتر والرئيس اوباما تشير إلى أن ترامب بريء من أي التزام ايديولوجي بالاتفاق وأن طريقته الاساسية ترتبط باعتبارات براغماتية واقتصادية. وهذه الاعتبارات غير مرتبطة بشكل مباشر بالخطوط العامة لهذا الصراع.
على هذه الخلفية يتم طرح سؤال ما الذي يجعل ترامب يشمر عن ذراعيه والدخول في هذه العملية من خلال ارسال مبعوثه للمفاوضات، جيسون غرينبلت. الاجابة على هذا السؤال هي الدمج بين أمرين يمنحان هذا الامر الاطار المناسب. الاول مستمد من قناعة الرئيس. والفرض أن المجتمع الدولي هو انعكاس دقيق للساحة الداخلية من ناحية قواعد اللعب الاساسية التي توجد فيها. من هذه الناحية يعتبر ترامب الادوات والاجهزة الناجعة من اجل تحقيق الصفقات الاقتصادية في الولايات المتحدة، أنها تستطيع العمل خارج الولايات المتحدة ايضا.
إن ترامب هو ممثل النمط الأمريكي القومي المؤسس على الايمان التقليدي بأن هناك حل لكل مشكلة، وهذا النمط نشأ منه الادمان على التكتيك والادوات التي من خلالها يمكن التوصل إلى صفقة عادلة. ولكن هذه الفرضيات والتوقعات التي مصدرها الطابع البراغماتي والتفاوضي للثقافة الاقتصادية الأمريكية، قد لا تناسب بالضرورة الصراعات والتوترات والفوارق الايديولوجية والدينية والقومية والعرقية. صراعات من هذا النوع، ومن ضمنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، التي تحتوي على مواضيع خلافية حول الاعتراف والهوية، لا يمكن حلها بالضرورة من خلال صفقة شاملة، حتى لو كانت اقليمية، حسب روح الارث الأمريكي. ويؤكد على ذلك رفض الفلسطينيين لاقتراحات الحلول السخية التي قدمتها إسرائيل اثناء وفي اعقاب مؤتمر كامب ديفيد في صيف 2000.
محاولة البيت الابيض الحالية لملاءمة الوضع الاقتصادي مع الوضع الخارجي المعقد، الذي لا يشدد دائما على تحقيق الارباح المادية، قد تؤدي إلى طريق مسدود. هذا رغم النوايا الحسنة للوسيط، حيث أن المنطق التجاري البارد الموجود في اساس هذه المحاولة لا يعكس المضمون الايديولوجي الذي يعمل عل تسخين هذا الصراع. والدليل على ذلك هو رفض رئيس السلطة الفلسطينية لفحص صيغة الحل التي اقترحتها إسرائيل قبل عقد تقريبا، في نهاية ولاية اولمرت كرئيس للحكومة، والتي شملت استعداد القدس للتنازل الجغرافي الكبير.
الجانب الثاني الذي يوضح جذور الخطوة الأمريكية يعكس تفكير مستشار الرئيس الأمريكي ستيف بانون، الذي يؤيد استراتيجية «أمريكا اولا» ويعتبر أن الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني شرط ضروري في مسار التقدم من اجل تحقيق هذا الهدف، حيث أن انهاء الصراع في هذه الحلبة سيضائل أخطار اندلاع الاحداث محليا واقليميا. هكذا تستطيع أمريكا ترامب التركيز على التحديات الاساسية بالنسبة للامن القومي، وكبح إيران والقضاء على داعش، دون تأثير ظل المشكلة الفلسطينية على خطوات ترامب الاخرى، التي تنشيء معا خطة عليا وليس بالضرورة صيغة عملية، تكون مثابة المحرك لاحداث الانطلاقة.
إسرائيل اليوم