باسل الأعرج وجيله
غالب قنديل
غمرتني الدهشة خلال قراءتي لمقالات وتدوينات المناضل الشهيد باسل الأعرج فعمقها الفكري والثقافي يشي بنضوج وبعبقرية فذة لمناضل بل لقائد ثوري يعرف ماذا يريد ويعتنق قضية تحرير وطنه كالتزام نضالي وبمنهجية فكرية ناضجة بعيدة عن الديماغوجية والتنظير الإيديولوجي او الهجاء العدمي لكل ما هو قائم ومن خلال وعي نقدي مبني على دراسة وفهم التجربة السياسية الفلسطينية منذ اتفاقات اوسلو.
الموضوعات التي تناولتها مقالات الشهيد باسل وبعضها يرقى إلى منزلة البحث الفكري الموجز اختارها من وقائع التجربة ومن معاينته ومعايشته لما يضج به الشارع الفلسطيني من أفكار وقيم تعيق مسار النضال الوطني وتحول دون اندفاع المزيد من المواطنين إلى المشاركة في الانتفاضة والمقاومة وهو كرس بعض تلك المقالات لنقاشات تهدف إلى استنهاض الوعي الشعبي وتعميم فكرة المقاومة والانتفاضة وتبديد اليأس والخنوع والبرهنة على جدوى النضال مبشرا بمبادرات شعبية وانماط تنظيم جديدة أفقية وغير ممسوكة في الظاهر تتسع للمبادرات والمبادرين في جميع المواقع وقد دافع باسل عن مشاركة النساء في الكفاح الشعبي وانتقد بقسوة كل محاولات التقليل من قيمة مشاركة المرأة الفلسطينية في النضال الوطني والثوري.
باسل الشاب الثلاثيني المقاوم ابن فلسطين هو عنوان للجيل الجديد من شباب فلسطين المحتلة الجيل الذي يحير العدو الصهيوني ويربك مؤسساته المدججة باحدث تقنيات المراقبة والملاحقة والتي تستفيد من شبكات جمع المعلومات التابعة للسلطة الفلسطينية ومن غطاء التنسيق الأمني الذي يستخدم في مطاردة المقاومين وهو كان الأداة التي نالوا فيها من الشهيد باسل باعتقاله وتعذيبه ثم بمطاردته بعد الإفراج عنه بقصد قتله .
لا شك ان هذا الجيل يضج بقدرات هامة وعديدة في التفكير والتخطيط والتنظيم ومستوى الوعي السياسي وهو يزداد نضجا وتمرسا في معمعان النضال الثوري ليبدع انماطه الخاصة من التنظيم والكفاح لكن الأكيد ان استشهاد باسل هو خسارة جسيمة لقضية فلسطين ولكل مقاوم عربي ولكل ثوري تحرري يناضل ضد الحلف الاستعماري الصهيوني وهذا يتطلب استخراج دروس جديدة ووضعها امام المناضلين من جيل باسل ومن رفيقاته ورفاقه فقد بات لزاما القيام بعميلة تقويم نقدية للتجربة بصورة تسمح بإبداع طرق جديدة واطر للعمل السياسي والنضالي تحقق الجمع بين العمل السري والنضال العلني.
التجربة النضالية تطور نفسها وكذلك الشكل التنظيمي الذي أبدعه هذا الجيل من المقاومين داخل فلسطين المحتلة مستلهما فكرة العقد الشبكية من العالم الافتراضي الذي ولدته التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصالات والانتشار الأفقي للشبكات الذي يصفه الشهيد باسل ويتحدث عن متانته له نقاط ضعف اكيدة في التنظيم يفترض التنبه لها واكتشافها وإحداث التغييرات المناسبة وتجريب أساليب وأشكال اخرى ودراسة مزايا الجمع بين الشبكية وأنماط أخرى كالتنظيم الخيطي او الجمع بين الحلقات التنظيمية العامودية والأفقية وغير ذلك من الأشكال والخبرات المهمة في النضال المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني .
لكن المعضلة التي ينبغي التصدي لها هي سياسية اولا وليست تقنية فحسب وهي تتصل بانخراط السلطة الفلسطينية في عمليات قمع وتصفية المجموعات الشبابية المناضلة التي تقود الانتفاضة والمقاومة الجديدة وهذا يستدعي عملا سياسيا كثيفا ومركزا هو مسؤولية الفصائل الوطنية بحيث تقوم معادلة سياسية داخل الساحة الفلسطينية تقدم الحماية المعنوية والميدانية لهؤلاء المبادرين وتجرم بفعل الخيانة التعرض لهم او تسليمهم للعدو والإرشاد إلى اماكنهم .
إضافة إلى ابتكار أشكال تنظيمية في نمطي العمل العلني والسري فإن دراسة الكيفية التي يمكن عبرها فرض واقع سياسي فلسطيني جديد يكبل المتعاونين مع الاحتلال هو التحدي الأول امام رفاق القائد باسل الأعرج وهذا يفترض التوجه إلى الفصائل الفلسطينية بقواعدها وجمهورها وقياداتها وتحميلها قسطها من المسؤولية على غرار ما تناول به الشهيد باسل تمرد أحد ضباط الأمن الفلسطيني واشتباكه مع العدو.
إنه جيل من الثوار ينمو ويتوسع ويطور خبراته ومعارفه وسيكون قادرا على التطور لمجابهة التحديات مزودا بإمكانات رفيعة من القدرات الإبداعية المتراكمة وعلى الأجيال الأخرى من الوطنيين الفلسطينيين والعرب ان تعامله بتقدير واحترام وان تضع خبراتها في تصرف هؤلاء المقاومين الأبطال.