سورية تغير المعادلات مجددا
غالب قنديل
شكل اجتماع انطاليا العسكري الثلاثي أول مشاركة أميركية مباشرة على مستوى قيادي رفيع في التنسيق مع روسيا واول اجتماع مباشر مع القيادة الروسية منذ انتخاب دونالد ترامب وتحت شعار منع الاشتباك بين الجيش التركي والقوات الكردية بررت إدارة ترامب مشاركتها في اللقاء بينما تعرضت خلال الأسابيع القليلة المنقضية من ولاية الرئيس الأميركي لحملة ضغط كبيرة من المؤسسة الحاكمة ودوائر الاستخبارات الأميركية للجم اندفاعها الخطابي نحو التنسيق مع روسيا في سورية وغيرها .
أولا لم يكن الكلام عن خطر الاشتباك التركي الكردي مبالغة دعائية بل هو احتمال جدي لكن ما فرض المسارعة الأميركية للتحرك والحضور كانت نتائج حركة الجيش العربي السوري الميدانية في أرياف حلب وبالتالي تم اللقاء وما انبثق عنه من نتائج تحت تأثير جملة من العوامل :
1- نجاح الجيش العربي السوري وحلفائه في تكبيل الحركة العسكرية التركية في الشمال وإعاقة تحركها نحو الباب والرقة بعد قطع الطريق على تمدد القوات التابعة لأنقرة بعملية التفاف ذكية وناجحة وبذلك من المعلوم للأميركيين والأتراك معا ان قرار أردوغان بالاشتباك مع الجيش السوري سيعني بتداعياته اشتباكا روسيا أميركيا وهو ما استدعى التحرك العاجل.
2- إن عدم الاشتباك مع روسيا خوفا من المغامرة بحرب كبرى هو قرار مبدئي متفق عليه عند المؤسسة الأميركية الحاكمة بجميع كتلها العسكرية والأمنية والسياسية منذ ولاية باراك اوباما وقد تجسد هذا التوجه الأميركي بآليات نظمت التنسيق الجوي منذ الانخراط الروسي الواسع في سورية تحت شعار” منع الاحتكاك”.
3- سمحت حركة الجيش العربي السوري وحلفائه بتظهير خيار التعاون مع الدولة السورية مجددا للقوات الكردية بغاية الاحتماء من التحرشات التركية وهذا ما يفسر الخطوات الكردية المتلاحقة عبر تسليم الوحدات المنتشرة من الجيش العربي السوري في بعض انحاء الريف الحلبي عددا من البلدات والقرى حتى الحدود مع تركيا.
ثانيا أرادت الولايات المتحدة من تجاوبها مع الدعوة التركية المنسقة معها مسبقا ان تفرض مساحة حضور عسكري اوسع لقواتها الخاصة في الميدان وهذا ما يعزز تأثيرها وقد يتيح مساومات سياسية لاحقة وضغطا على الدولة الوطنية السورية لتحصيل مكاسب نفطية وسياسية ولجم التوجه الكردي للتعاون مع الجيش العربي السوري بإبراز القدرة الأميركية على ضبط الدور التركي عبر الفصل بين حليفين يستعصي الجمع بينهما على الأرض كما بينت الوقائع والمواقف.
من الأهداف التي حققتها إدارة دونالد ترامب عبر اجتماع أنطاليا كان ضمان غطاء المؤسسة الحاكمة والبنتاغون خصوصا لمبدأ التنسيق والتعاون مع روسيا تحت عنوان محاربة الإرهاب ووضع حد لما تعرضت له الإدارة من ضغوط المجموعات النافذة التي لم يلجمها التصاق الإدارة الجديدة باللوبي الصهيوني واندفاعها لتعميق العلاقة السياسية بالقيادة الليكودية في الكيان الصهيوني وتلك ضغوط سبق ان اطاحت مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين منتصف شباط الماضي بعد الضجة التي حركها تسريب مخابراتي لمعلومات عن اجتماعه مع دبلوماسيين روس فما حصل تحت عنوان الاضطرار الذي فرضه توسع سيطرة الجيش العربي السوري هو اجتماع مباشر بين رئيسي الأركان الروسي والأميركي.
ثالثا حصدت روسيا ثمار اختبار القوة المشار إليه في الشمال السوري من خلال النتائج التالية :
– تحريك سريع لفكرة التعاون الأميركي الروسي في الحرب على الإرهاب والتنسيق العسكري القيادي على أعلى مستوياته وترتيب قنوات جديدة للاتصال والعمل المشترك بعدما علقتها إدارة أوباما قبل أشهر من انتخاب ترامب.
– إفهام القيادة التركية ان الإدارة الأميركية الجديدة مجبرة على التعاون مع روسيا بفعل توازن القوى وبالتالي فلا داعي للخشية من عقاب واشنطن على التقارب بين انقرة وموسكو وهو ما يتيح فرصا أفضل لإلزام تركيا بالتفاهمات السابقة التي تفلتت منها انقرة في لقاء أستانة الأخير.
– رد المواقف السياسية الأميركية والتركية من الوضع السوري إلى مضمون التفاهمات السابقة التي عطلتها إدارة اوباما تحت ضغط حزب الحرب بجناحيه الديمقراطي والجمهوري بحيث يمكن استثمار المناخ الجديد لصالح تقدم الدولة السورية في خطوط المصالحات الممكنة وتوحيد الجهود ضد داعش والنصرة ومثيلاتهما.
ما تقدم لا يعني عدم ظهور محاولات اميركية او تركية للتفلت مما تم التفاهم عليه مع رئيس الأركان الروسي وستبقى الضمانة الرئيسية لردع واشنطن وانقرة في المزيد من الخطوات العسكرية التي تحقق ترسيخ التوازنات وفرض وقائع جديدة على الأرض وحيث يظهر الجيش العربي السورري كفاءة عالية في خوض المعارك على عدة جبهات دفعة واحدة وفي الخلاصة إن سورية تفرض المزيد من تغيير المعادلات الذي يولد تداعيات كبرى داخلية من الجنوب إلى الوسط والشمال وحيث تبلغ النتائج والتفاعلات مواقع صنع القرار في واشنطن.