الجيش نحو تحصين تدمر أولاً: خطوة لعودة النفوذ إلى المنطقة الشرقية أيهم مرعي
يشكّل النجاح العسكري السريع للجيش السوري ــ بدعم روسي ــ في الوصول إلى تدمر، قاعدة نحو مروحة خيارات عسكرية له، قد يكون الشرق السوري بكامله مفتوحاً عليها، إلا أن ذلك يبقى مرهوناً بتوافر المعطيات الميدانية واللوجستية المناسبة لذلك
لا تبدو ظروف تحرير تدمر للمرة الثانية مشابهةً لما كانت عليه منذ نحو عام، ولا سيما على صعيد جبهات الميدان السوري التي تشهد تصعيداً ضد «داعش»، في ظل «صمود» الهدنة الروسية ــ التركية للشهر الثالث على التوالي، ما يفتح الأفق لتوسيع المعركة لأبعد ممّا كانت عليه في التحرير الأول للمدينة.
ومن الواضح أن الجيش سيعمل على الاستفادة ممّا حصل في أثناء المعركة الأولى لتحرير «لؤلؤة الصحراء»، ولن يكتفي بخطوط دفاعية قريبة من المدينة، بل سيتجه نحو توسيع طوق الأمان، على الأقل، في اتجاهات تدمر المختلفة، لتحصينها من أي اختراق «داعشي» جديد.
وربّما كان زخم العمليات العسكرية الكبير، والغطاء الناري غير المسبوق الذي يوفّره سلاح الجو الروسي ــ السوري، يعكس رغبة مشتركة في أن يكون الانتصار الذي تحقّق، بوابة وتمهيداً لإعادة حضور الجيش في الشرق، ولا سيما دير الزور والبادية، التي تُعَدّ أحد أهم منابع النفط الذي تحتاجه الدولة أكثر من أي وقت مضى في ظل تفاقم أزمة المحروقات والكهرباء في خلال الفترة الماضية. مصدر ميداني من داخل تدمر أكد لـ«الأخبار» أنَّ «ما حصل في تدمر نهاية العام الفائت شكّل درساً سيستفاد منه، وأنَّ الجيش بعد الانتهاء من تحصين المدينة وتنظيفها سيتّجه نحو مواقع إضافية تسهم في حماية هذا الإنجاز». ويتوقّع المصدر أن «تتجه المعركة صوب صوامع تدمر وحقول الآراك وشاعر وجزل، وربّما في أبعد تقدير باتجاه السخنة، ولن تتطور أكثر من ذلك في الوقت الراهن». ويعيد ذلك إلى أنَّ «التوجّه صوب دير الزور يحتاج لقوات تحمي أكثر من 200 كيلومتر، مفتوح على الحدود العراقية والبادية، وهو أمر يحتاج لحشودات كبيرة لتحقيقه، وحماية مناسبة للطريق».
بدوره، يذهب قائد «قوات العشائر» تركي البوحمد، في تقديراته أبعد من السخنة، فيؤكد في حديث لـ«الأخبار» أنَّ «المعركة ستشهد زخماً متسارعاً، وأنَّ التحرّك للسخنة التي تُعَدّ شريان داعش في قلب البادية، هو قريب جداً». ولفت البوحمد، الذي كان لقواته حضور فاعل في معركة تدمر الأخيرة إلى جانب «الفيلق الخامس» الذي سجّل أول حضور له في تدمر، إلى أنَّ «التنظيم منهار في البادية، وأنَّ الوصول القريب نحو السخنة، سيفتح خيارات إضافية للتوجه صوب الرقة أو دير الزور، وهو أمر سيبقى محكوماً بالحاجة والظرف الميداني».
خطط واستعدادات الجيش لمرحلة ما بعد تدمر، قوبلت بدفع التنظيم تعزيزات إضافية باتجاه منطقة الحقول النفطية، ومدينة السخنة، لترميم الانهيار الذي حصل في تدمر، ومحاولة كبح اندفاعة الجيش ومنعه من الوصول إلى السخنة، وتهديده في معاقله في البادية، والحفاظ على خطوط إمداده التي تربط أرياف حماه وحلب في دير الزور والرقة عبر السخنة. ورغم أنَّ الحديث ربّما ما زال مبكراً عن أي تقدّم للجيش باتجاه دير الزور لفكّ الحصار عنها، أو الذهاب نحو الرقة لتضييق الحصار عليها، إلا أنَّ إنجاز الجيش الأخير في تدمر أسهم بمنح دفعة معنوية لوحدات الجيش في دير الزور، التي تواصل محاولتها وصل المطار العسكري بالأحياء الغربية، بعد نحو شهرين على قطعه من تنظيم «داعش». كذلك إنَّ التقدم ترك انعكاساً على الأسعار الجنونية في المدينة المحاصرة من التنظيم منذ أكثر من 25 شهراً، فسجّل انخفاضاً بالأسعار وصل إلى أكثر من 30%، من التجار الذين قد يريدون إفراغ مخازنهم الواقعة في منطقة سيطرة «داعش»، والتي تُهرّب محتوياتها للمدينة، عبر عبّارات نهرية، استباقاً لأي تقدم متوقّع للجيش. مصدر ميداني في دير الزور أكد لـ«الأخبار» أنَّ «كل خطوة يخطوها الجيش باتجاه دير الزور تشكّل أملاً جديداً للمدنيين والعسكريين بفك الحصار عن المدينة». وتوقّع «ألّا تتوقف عملية تدمر إلا بفك الحصار عن الدير، رغم عدم وجود زمن واضح لتحقيق ذلك». وأدى زخم الغارات الروسية والسورية على مواقع «داعش» إلى إفشال مخططه بالسيطرة على المدينة بالكامل، كذلك إنّ تحرّك الجيش باتجاه تدمر، بالتزامن مع مهاجمة «قسد» ريف دير الزور الشمالي الغربي أسهم بتخفيف الضغط على الجيش المحاصر في دير الزور. وفي هذا السياق، نجح «داعش» بإيقاف اندفاعة «قسد» باتجاه «الدير»، وتمكّن من إيقاف تقدّمه باتجاه منطقة الجزيرة، وصولاً إلى شمال نهر الفرات في منطقة الجزرات (جزرة الميلاج والبوحميد)، وذلك بعد أن دفع بتعزيزات كبيرة باتجاه المنطقة، تزامنت مع مخاوف كردية من مغامرة تركية باتجاه منبج، ما سيجبرها على سحب جزء من قواتها الموجودة في أرياف الرقة، باتجاه منبج للدفاع عنها، وهو ما سيؤثّر بسير معركة الرقة.
(الاخبار)