تركيا وعودة العسكر محمد نورالدين
ارتبط اسم تركيا بالانقلابات العسكرية. وعرفت الديمقراطية فيها بالديمقراطية العسكرية.
أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط كان في تركيا. عندما انقلب العسكر تحت جناح جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909 الذي تلته حركة تتريك الإمبراطورية، وبالتالي بدء الصراع مع القوميات غير التركية، وفي مقدمها القوميون العرب، فكانت ثورة الشريف حسين عام 1916، ومن ثمّ نهاية الدولة العثمانية، ونهاية سيطرتها على الولايات العربية.
عام 1960 كان الانقلاب الأول في العهد الجمهوري الذي أعلن عام 1923. وتلته انقلابات عام 1971، و1980، و1997 وآخرها انقلاب 15 يوليو/تموز عام 2016.
كان حزب العدالة والتنمية مقتنعاً بأن عهد الانقلابات قد ولى، بعدما نجح استفتاء في عام 2010 في تقليم أظفار المؤسسة العسكرية، وتحجيم نفوذها، وحضورها في الحياة السياسية. وهذا كان هدفاً مباشراً لزعيم الحزب ورئيس الحكومة، ومن ثمّ لاحقاً رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان. ذلك أن العمل على تديين الدولة، وضرب العلمانية كان يتطلب تحطيم الدرع التي كانت تحمي العلمانية، والنظام وهو المؤسسة العسكرية.
نجح أردوغان في ذلك. ومضى في تغيير المفاهيم الاجتماعية، والتعليمية، والإدارية في اتجاه منح دور أكبر للدين في الدولة والمجتمع. لكنه اصطدم لاحقاً بصراع على النفوذ في السلطة مع الداعية الإسلامي فتح الله غولين. وكانت حرباً ضروساً بينهما، إلى أن كان الانقلاب العسكري الشهير في 15 يوليو الماضي الذي اتهم فيه غولين بأنه يقف وراءه، وبأن الولايات المتحدة تدعمه.
أتاح فشل الانقلاب غير المعروفة بعد أسباب فشله، الفرصة أمام أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، للانتقام من خصومه
وكما كان انقلاب 15يوليو مفاجأة إلى حد ما بعد 14 عاماً على بدء سلطة حزب العدالة والتنمية، وبعدما ظُن أن عهد الانقلابات قد ولى، وبعدما ظّن أيضاً أن حملة التصفيات داخل المؤسسة العسكرية قد أخمدت فكرة اللجوء إلى انقلاب جديد، خرجت صحيفة «حرييت» التركية بتقرير نشرته قبل أيام تضمن سبع نقاط، رأت الصحيفة أن رئاسة الأركان التركية تشعر بعدم الارتياح والقلق منها. ومن ذلك السماح للمحجبات بالانخراط في الجيش كضابطات، وبالتالي إزالة العقبات أمام آخر وأكثر الوظائف حساسية داخل الدولة، والمؤسسة العسكرية.
لقد كان انقلاب 15يوليو جزءاً من الصراع بين أردوغان وغولين، لكن كان أيضاً حركة اعتراضية على سياسات أردوغان الساعية إلى تعزيز قبضة الفرد الواحد التي سيجري استفتاء على تعديلات دستورية تعزز هذه القبضة في إبريل/نيسان المقبل. تقرير صحيفة «حرييت» تميز بأنه حمل توقيع الصحفية نفسها وهي أيضاً مذيعة تلفزيون التي كانت الأولى التي نشر أردوغان عبر هاتفها رسالة صبيحة الانقلاب ساهمت في مناهضة الانقلاب، وإفشاله.
لذلك، فإن التساؤلات بعد نشر التقرير حملت الشيء ونقيضه. فالتقرير يكشف للمرة الأولى بعد انقلاب تموز، عن عدم ارتياح العسكر وقلقهم من بعض القضايا ، ومن ذلك التوتير الأخير مع اليونان حول جزيرة في ايجه. ولكن القضية الأبرز هي مسألة إدخال المحجبات في الجيش. وفيما لو صح مضمون التقرير، فإن هذا يعيد إلى الساحة السياسية الحساسية بين العسكر والمدنيين ولا يقفل ملف الانقلابات العسكرية في تركيا. ذلك أن رئاسة الأركان ذكرت أن الجريدة حرّفت مضمون التقرير، وأنها لم تستخدم كلمة «انزعاج». وهذا لا ينفي بالتالي صدور مناخ الانزعاج حول قضايا عدة.
ليس المهم هنا تهديدات أردوغان أن من كان وراء هذا التقرير سيدفع الثمن غالياً. لكن للمرة الأولى يظهر إلى العلن بعد انقلاب يوليو أن العسكر إن لم يكن منزعجاً من بعض القضايا، فهو على الأقل معترض عليه، وأن الحساسية العسكرية مع سلطة حزب العدالة والتنمية لم تخمد بعد.
(الخليج)