بقلم غالب قنديل

ردت إيران فتراجع أردوغان

غالب قنديل

خلال الساعات الماضية تلاحقت التصريحات والبيانات التركية التي تحمل اعتذارا صريحا عن العربدة التي أطلقها أردوغان ومجموعة من المسؤولين الأتراك الذين شنوا حملة عدائية واستفزازية منسقة ضد إيران ودورها في المنطقة ولاسيما في سورية بالتزامن مع عودة الحرارة إلى العلاقة التحالفية الوثيقة بين تركيا وإسرائيل والمملكة السعودية منذ استعادة التواصل التركي الأميركي .

هذه الظاهرة السياسية التي برزت في الأيام الأخيرة تعبر مجددا عن المأزق الكبير واضطراب الحسابات الذي يخيم على القيادة التركية في مناخ تأزم واضطراب داخلي وتحديات إقليمية غير مريحة ولا تواتي التحركات والتحرشات التركية الجلفة والمستفزة في دول الجوار ولاسيما في سورية والعراق .

الطيش والمقامرة باتا سمتين ملازمتين لنهج أردوغان وأسلوبه القيادي فالرئيس التركي يسير في جميع علاقاته الدولية والإقليمية على حافة الهاوية ويتخبط مصدوما بخيبة الوهم الكبير الذي أصابه بالتورم والانتفاخ مع إطلاق العدوان على سورية والتورط التركي في خطة الاستيلاء على الشرق العربي بواسطة تنظيم الأخوان ولا سيما في مصر والعراق واليمن.

بالتأكيد ليس أردوغان مصابا بضعف الذاكرة فقد عاد مئات السنين إلى الوراء ونبش احداثا مؤلمة وخطيرة تسبب بها سلاطنة بني عثمان واحيا اطماعا توسعية زرعت الكراهية مطلع القرن الماضي بين العرب والأتراك فقد تناسى أردوغان ولم ينس وفقا للتوصيف الدبلوماسي الذي استعمله الوزير اللائق جواد ظريف القاسي في تصريحه الذي ذكر فيه أردوغان وفريقه انه مدين لإيران بوقوفها إلى جانبه في ليلة الانقلاب الفاشل وبتهذيب رفيع لكن بقسوة لافتة استحقتها الافتراءات التركية الصلفة.

بالطبع أردوغان لم ينس شيئا من ليلة الخطر الذي لامس عنقه لكنه اخواني أولا ولذلك فهو يجيد التحايل والنفاق والتلون الانتهازي والغدر حين تقتضي مصالحه كما يتخيلها وما فعله مع سورية وروسيا يقدم العبرة وإيران هي أول العارفين وقد أخرجها أردوغان أخيرا عن عصمة الصمت والصبر وهي التي تتقن توجيه واستعمال قوتها الناعمة والخشنة على السواء.

ربما كان الرئيس فلاديمير بوتين الأسرع في تلقين أردوغان دروسا تأديبية عندما غدر بروسيا وأسقط لها طائرة في الأجواء السورية لكن أخيرا تبين لسلطان الوهم أن صبر إيران الطويل يمكن أن ينفذ ويصب جام الغضب على رأس حكمه المتداعي والمزعزع.

لاشك ان الرد الإيراني القوي والحازم سياسيا وإعلاميا كان له دور في تراجع انقرة واعتذارها لإيران لكن الأهم هو تطورات الميدان في العراق وسورية حيث تمكن الجيش العربي السوري بمؤازرة الوحدات الشعبية المقاتلة والرديفة من تحقيق إنجازات كبرى حاصرت الاختراق التركي نحو الباب وقطعت عليه الطريق وهو يحقق تقدما مهما على العديد من الجبهات دفعة واحدة بينما تلقت الجماعات التابعة لتركيا في مباحثات أستانا وجنيف صفعات متلاحقة في تحدي أولوية الالتزام بمكافحة الإرهاب.

تبين في التجربة العملية أن لدى روسيا وإيران اوراق قوة كفيلة بردع أردوغان ووضع حد لعنجهيته ولعدائيته كما تبين ان الرهان على قلبه من موقع التابع للإمبريالية الأميركية ولهيمنتها إلى مواقع جديرة بدولة مستقلة ذاتية المركز هو جهد ضائع في غير محله ولايستحق المغامرة بتقديم مكتسبات لحكم تابع مرتبط بالحلف الاستعماري الصهيوني لا يستحق سوى الإخضاع بمنطق القوة ومعادلاتها من خلال الإدارة الذكية للصراع وهذه الإدارة الروسية الإيرانية المشتركة التي حققت نجاحات في سورية والعراق وحدها تفرض على سلطان الوهم العثماني التراجع عن العربدة .

الحكم الأخواني التابع في تركيا يثبت وهنه في كل مرة وعجزه عن مواصلة التذاكي كلما تم التصدي له بحزم وهذا ما تقدر عليه طهران وموسكو معا بالنظر إلى ثقل المصالح المشتركة التي تربط تركيا بالدولتين الحليفتين لسورية والشريكتين لقواتها المسلحة في محاربة الإرهاب الذي كانت تركيا منذ البداية موئله وحاضنه الرئيسي .

إذن فأهم درس ينبغي استخلاصه هو ضرورة التعامل مع الحكم التركي المأزوم والعليل والتابع للهيمنة الأميركية بمنطق جداول الالتزامات وجاهزية الردع السياسي والميداني وعدم الإفراط بالمسايرة السياسية فالعين الحمراء تنفع والتعابير الحادة والإنذارات السياسية تفعل وتظهر نتائج التطويق الميداني لفلتات سلطان الوهم العثماني الذي لم يكن ليرتدع ولا ليعتذر لولا شبح الخوف من القطيعة الاقتصادية والتجارية والخشية من تبعات تقدم الجيش العربي السوري وإنجازات الحشد الشعبي العراقي الذي حاول اعتراض طريقه إلى تحرير الموصل وبات يخشى دوره المحتمل في فتح الطرق بين العراق وسورية وما ينتج عنه اقتصاديا وسياسيا وعسكريا أردوغان يرضخ فقط للصفعات ولا يأبه لمحاولات الإقناع المنطقية ولا صلة بأخلاقيات الوفاء وعهود التحالف تلك هي الحقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى