مقالات مختارة

لا قيادة في نهاية النفق: ناحوم برنياع

 

مشكلة الانفاق لم تحل بعد، رغم الاستثمار المالي الهائل؛ والخطط العملياتية هي الاخرى لم تستكمل؛ الصواريخ، قذائف الهاون، والمقذوفات الصاروخية ستطلق إلى داخل إسرائيل ولا تستبعد امكانية ان تشل الحركة في مطار بن غوريون. السؤال ما هي سياستنا تجاه حماس ستبقى تحوم كسحابة من الغبار فوق مداولات مجلس الوزراء؛ وكذا ايضا السؤال هي نزج بقوات المشاة إلى الداخل. في السنتين الماضيتين منذئذ لم تقع لنا معجزة. فلم يجدوا جرة السمن. نحن في المعاضل ذاتها، مع القيادة ذاتها، مع الفكرة ذاتها، مع الجيش ذاته، مع تحسينات غير دراماتيكية.

ولكن لماذا نتوقع ما سيحصل غدا أو بعد غد حين نعرف ما حصل أمس وأول أمس. الصواريخ اطلقت من غزة. وطائرات سلاح الجو انتجت سحابة من الدخان الاسود، لمنفعة الكاميرات، ورئيس الوزراء ألقى خطابا. نقط لي صاروخا وانقط لك قذيفة.. هذه هي الاستراتيجية التي ستقودنا نحو الحملة التالية.

حملة الجرف الصامد ليست قصور يوم الغفران. فالعناوين الرئيسة الصاخبة تحيق ظلما بالحقائق. من يقرأ تقرير الرقابة بعيون واعية، محررة من الرواسب الشخصية، من الميول السياسية ومن حروب الطين بين الجنرالات، سيجد فيه الكثير من المكتشفات المقلقة إلى جانب غير قليل من بقع الضوء. لقد قام المراقب بعمله، بقيوده، لعله كان ممكنا الكتابة عن الحملة تقريرا ثاقبا أكثر بكثير، ذا مغزى أكبر بكثير، ولكن هذا ما تعرف هذه الاداة عزفه.

نتنياهو هو موضع النقد الرئيس في التقرير. فالنقد يتركز على خرق اللوائح: نتنياهو لم يبلغ اعضاء مجلس الوزراء، لم يتخذ قرارات، لم يعالج ما وصفه هو نفسه كتهديد استراتيجي. والانطباع الناشيء من مجمل الامر اكثر خطورة. نتنياهو لا يتصرف كزعيم: فهو لا يرسم سياسة لان ليس له سياسة؛ لا يفرض رأيه لان ليس له رأي. في هذا الفراغ كان يمكن أن يدخل وزير الدفاع، ولكن حسب التقرير هذا ايضا لم يحصل. بوغي يعلون يبرز اساسا بامور لم يفعلها. لو كان له تأثير على اتخاذ القرارات، فإن هذا لن يجد تعبيره في مجلس الوزراء. المذهل هو الفجوة بين صورة نتنياهو كـ «سيد أمن» ودوره الحقيقي في إدارة الامن وأداءه كزعيم الحكومة، الجيش، الشعب. الرجل عبقي في التسويق. فنان. رده الاول على التقرير كان مثالا جيدا. قبل يوم من نزول تقرير عرض أداءه في الحملة بعريه، يعلن بأنه يسند الجيش الإسرائيلي حيال مراقب الدولة. فقد اصاب عصفورين بجملة واحدة ـ حرر نفسه من المسؤولية وعرض مكتب المراقب كعدو المؤسسة الاعز على قلب الإسرائيليين، كخائن. الموت للمراقبين.

نتنياهو هو الوحيد بين من وجه اليهم النقد الذي يتولى المنصب الذي تولاه في الحملة ـ وعليه فإن التقرير ذو صلة به قبل كل شخص آخر. بوغي يعلون، الذي استقال، يشكل هدفا مريحا للجميع: لزملائه السابقين في الليكود، لنفتالي بينيت، ليوآف غالنت، كل وزراء اليمين الذين يحرصون على كرامة رئيس الوزراء ولكنهم ينزلون باللائمة بسرور على شريكه في الحملة، وزير الدفاع؛ وهو يشكل هدفا مريحا لليسار، لانه يوجد عميقا في اليمين.

لقد كان بينيت وليبرمان مثيري المشاكل في كابنت الجرف الصامد. بينيت ركز على الانفاق. الاسئلة التي طرحها على يعلون وغانتس في الزمن الحقيقي كانت ثاقبة. وتقرير المراقب يتبناها. ولكن بينيت يعرف، بأن من الافضل له أن يتواضع في الاحتفالات: فالعائلات الثكلى تنظر. وزملاؤه في الحكومة يتهمونه منذ الان بالاحتفال على الدم.

وبالنسبة لليبرمان، لم يعد يروج لاحتلال غزة، فهو يروج للتسوية مع حماس، وهو يفهم كوامن قلب الشعب. هو رسمي حتى التعب.

النقد على قادة الجيش الإسرائيلي في قسم منه شامل ومعلل، وفي قسم منه مدحوض. أبدأ بالقسم المدحوض: كُتاب التقرير يشتكون من رئيس الاركان بني غانتس ورئيس شعبة الاستخبارات أفيف كوخافي في أنهما لم يعملا المزيد لاجبار رئيس الوزراء ووزير الدفاع على عقد مجلس الوزراء في نقاش حقيقي في الانفاق.

المرؤوس مسؤول عن تفعيل رئيسه. وعندما أعربت عن عجبي بهذه الملاحظة على مسمع من كُتاب التقرير اجابوا: «عندما يريد الجيش، فالجيش ينال ما يريده». هذا جواب لا مكان له في تقرير كل غايته هي تنظيم عملية اتخاذ القرارات. كما أن ليس له مكان في القانون. الادعاءات الاخرى تتعلق بالانفاق. تجاه غانتس ادعي بأنه عشية الحملة أخرج القوات من البلدات بدلا من تعزيزها؛ لم يعد القوات لاحتلال الانفاق؛ وافق على القصف من الجو للفوهات رغم أنه كان يعرف أن هذا لن يعطل خطر الانفاق وسيجعل من الصعب على قوات المشاة تدمرها. «القيادة السياسية أرادت احتواء الحدث، انهاءه في اقرب وقت ممكن، دون أن تجتذب إلى عمل بري»، شرح غانتس للمراقب. «الدولة من حقها أن تجري ادارة للمخاطر الاستراتيجية».

يدعي التقرير تجاه كوخافي بأنه قدر بأن حماس غير معنية بمواجهة عسكرية وان المعلومات التي وفرتها شعبة الاستخبارات عن الانفاق لم تكن كافية؛ ومن جهة اخرى فإنه يغدق الثناء على انجازات الاستخبارات في الحملة.

الفرضية التي ينطلق منها التقرير هي أن الانفاق هي تهديد استراتيجي. هكذا قال نتنياهو ويعلون منذ 2013. هذه فرضية يمكن الجدال فيها: كانت وتوجد تهديدات أكبر. الدليل: اليوم ايضا، مع الانفاق الهجومية ذاتها، ولكنها اوسع وأكثر تطورا، دولة إسرائيل حية ترزق، بل وان غلاف غزة حي يرزق ويزدهر. في هذه الاثناء تسرح غانتس، وانتقل كوخافي إلى فترة خدمة ناجحة كقائد المنطقة الشمالية. وبعد بضعة ايام سيتسلم مهام منصبه كنائب رئيس الاركان. سألت احد المسؤولين عن التقرير في مكتب مراقب الدولة إذا كان النقد يمس برأيه بفرص كوخافي ليكون رئيس الاركان. وكان جوابه قصيرا: «لا».

ان المقطع الاكثر تشويقا في التقرير يتعلق بقصف الفوهات. فقد قال نتنياهو للمراقب انه كان يعرف بأن القصف اشكالي، ولكن «وزير الدفاع ورئيس الاركان أوصيا. وسرت حسب توصيتهما (حسب البروتوكول، غانتس لم يُسأل ويعلوم، الذي سُئل لم يجب)»؛ غانتس كان يعرف بأنه توجد امكانية بأن يطيل هدم الفوهات من الجو الاحتلال على الارض، ولكنه فضل التجربة؛ قائد المنطقة الجنوبية، سامي ترجمان، عارض قصف الفوهات؛ سلاح الجو آمن بقدراته؛ المراقب يقول انه لم تكن للوزراء الذين اقروا العملية معرفة باشكالية القصف.

لم يكن الضرر فقط في إطالة زمن السيطرة. بينيت يقدر بأن النصف، او قرابة النصف، من الجنود الذين سقطوا في الحملة سقطوا في الوقت الذي حموا فيه اخلاء الدمار.

في ملاحظة جانبية يشكك التقرير في مجرد الاعتماد على قصف سلاح الجو. ويقول: «عندما قرر وزراء مجلس الوزراء مرامي الحملة واوصى الجيش الإسرائيلي بتحقيقها بالقصف الجوي فقط لم يعرف وزراء مجلس الوزراء بأن نجاعة هذه الهجمات محدودة، ضمن امور اخرى بسبب الفجوة في بنك الاهداف».

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى