نجاح رغم مواضع الخلل: يوسي ملمان
شنت القيادة السياسية والقيادة العسكرية في نهاية الاسبوع حربا وقائية علنية ضد تقرير مراقب الدولة عن حملة الجرف الصامد، حرب غزة الثالثة، في صيف 2014. عمليا، بدأت الحرب الوقائية سريا قبل بضعة اشهر. ولكن، مثلما في تحقيقات الشرطة، لم تصبح علنية إلا في نهاية الاسبوع. معظم المشاركين في القيادتين، في الماضي وفي الحاضر، يستعرضون للصحافيين، يسربون ويشهرون بالخصوم، منهم من يفعل ذلك مباشرة ومنهم من يفعل ذلك بشكل غير مباشر.
يجد معظم المشاركين صعوبة في الاتفاق الواحد مع الاخر. فهم يحملون معهم أيضا شحنات ماض سياسية وشخصية، تشعل العداء الواحد للاخر. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع في الحرب موشيه بوغي يعلون يتناكفان مع الوزير نفتالي بينيت الذي يجري، عن حق أو عن غير حق غير قليل من جولات النصر بسبب التقرير، مثابة «قلت لكم». ويحاول رئيس يوجد مستقبل يائير لبيد السير بحذر، لانه كان عضوا في الكابنت في اثناء الحملة وبالتالي فهو شريك ويتحمل المسؤولية عما حصل. أما الان فهو يتعزز في الاستطلاعات ويرى نفسه مرشحا لخلافة نتنياهو، وبالتالي يميل لانتقاده.
وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي طالب في الحرب باحتلال غزة واسقاط حكم حماس، وتناكف مع رئيس الوزراء، أصبح حليفا لنتنياهو. الوزير يوآف غالنت لم يكن في الحكومة في اثناء الحرب، ولكنه كان مرشحا لرئاسة الاركان وله حساب طويل مع من منعوا ذلك عنه ولا سيما يعلون ومع من عين في منصب رئيس الاركان، الفريق احتياط بني غانتس.
ولكن يوجد للصقور قاسم مشترك واحد وهو واسع: فهم يسعون للتلاعب بتقرير مراقب الدولة يوسف شبرا، الذي سينشر غدا (اليوم) في السعة 16:00 وكتبه رئيس دائرة الامن في مكتب المراقب، يوسي باينهورن. ويقع التقرير في 208 صفحة بما في ذلك الغلاف، الخلاصة بالعربية وملاحق مختلفة.
حين ينشر التقرير، سيكون الجمهور قد تعب وشبع من كثرة الهذر الذي سمع حتى الان في الحرب الوقائية. فما بالك أنه في عصر كثرة المعلومات، والان ايضا في عصر «الحقائق البديلة»، فإن انصات الجمهور للقصورات، للقضايا، لاعمال الفساد او للقرارات الغبية، آخذ في التضاؤل. وكلما تضاءل الانصات، هكذا ايضا طول عمل الرف لكل تقرير وقصة صحافية، مهما كانت هامة.
من التسريبات يمكن التقدير بأن التقرير يشير إلى عشرات مواضع الخلل: المداولات الخفيفة في الكابنت، تكتيم المعلومات عن الوزراء، الاستعداد العليل من الجيش الإسرائيلي لتهديد الانفاق، غياب المعلومات الكافية عنها، حروب الأنا بين «امان» و «الشاباك» وغيرها وغيرها.
يثير التقرير ملاحظات ذات مغزى على ستة منتقدين: نتنياهو، يعلون، غانتس ومسؤولين آخرين في عهد الحملة، رئيس شعبة الاستخبارات «امان» اللواء أفيف كوخافي، رئيس جهاز الامن العام «الشاباك» يورام كوهين وبقدر أقل رئيس جهاز الامن القومي، يوسي كوهين، اليوم رئيس الموساد. وثمة المزيد ممن يتضررون من التقرير، وان كان الانتقاد عليهم بحقن مخففة: رئيس دائرة البحوث، العميد ايتي بارون وقائد المنطقة الجنوبية في المعركة، سامي ترجمان.
يكاد يكون كل تقرير للمراقب أو لجان التحقيق وبالتأكيد عن الحروب التي يقع فيها قتلى وجرحى، يستقبل بالاعتراض ممن يوجه النقد اليهم. هكذا كان بعد حرب يوم الغفران، هكذا كان بعد حرب لبنان الاولى وكذا بعد حرب لبنان الثانية. هذا هو طريق العالم. دور المراقب هو الكشف عن مواضع الخلل، انتقاد التجاهل للانظمة، شجب السياقات العليلة لاتخاذ القرارات والاهمال وبالاساس التوقع في أن تستخلص الدروس والا تتكرر في المرة التالية.
أما من يوجه اليهم النقد فيتخندقون في مواقفهم ويدافعون عن قراراتهم وأفعالهم. ناهيك عن أنه لا توجد في إسرائيل ثقافة الاخذ بالمسؤولية. واذا كان كذلك، فثمة ثقافة تهرب من المسؤولية. ثمة القليل جدا من الشخصيات العامة في البلاد ممن يعترفون بالاخطاء ويتحملون المسؤولية ويستقيلون.
لقد تعرف المراقب على كامل المادة وعليه فإن نظرته واسعة، عميقة ومستنفذة. ولكن محظور ايضا النسيان بأن نظرته هي نظرة الحكمة بأثر رجعي. فهو يعنى بالسياقات وباللوائح وليس بجودة القرارات ونوعيتها. كما أنه ليس دوره البحث بالقيود التي يفرضها الطرفإن في الحرب ولا في نتائجها.
حماس وإسرائيل لم ترغبا في الحرب، بل انجرتا اليها. المعركة طالت، ليس فقط بسبب مواضع الخلل في إدارتها، بل وايضا لانه في الجيش الإسرائيلي يعرفون بأن المجتمع في إسرائيل يجد صعوبة في تحمل الخسائر. وعليه، فمن اجل تقليصها ينبغي التصرف بحذر، والحذر يطيل ايام المعارك.
الحقيقة هي أنه لم يكن لإسرائيل حقا خيار في حسم الحرب، مثلما طالب ليبرمان وبينيت. المراقب يعرف هذا جيدا. ادعاؤه هو، وهو محق، بأن من واجب رئيس الوزراء أن يقول للوزراء وعلانية الحقيقة قبل الخروج إلى المعركة. على نتنياهو ان يقول: «ليس لدينا رغبة في احتلال واسقاط حماس. إذ ماذا يعني «اسقاط حكم حماس»؟ واذا ما نجحنا، فماذا بعد ذلك ـ أنحتل غزة ونحكمها مرة اخرى؟
وفوق كل شيء، في اختبار النتيجة أدت الحرب حتى الان إلى فترة الهدوء الاطول لإسرائيل في جبهة غزة منذ 1968. مر حتى الان 30 شهرا من الهدوء. صحيح، حماس تتسلح وتستعد للجولة التالية، ولكن هكذا ايضا إسرائيل. ولكن الاهم من ذلك ـ حماس اليوم مردوعة وليس لها اي رغبة، نوايا وقدرة على الخروج الان إلى حرب جديدة. بتقديري المتواضع، فإن هذا الهدوء، الذي هو هش حقا، سيستمر في المستقبل ايضا ـ وقد تحقق هذا بفضل حملة الجرف الصامد، رغم مواضع الخلل. في هذا السياق يجدر بالذكر ايضا حرب لبنان الثانية «الفاشلة» وما قال عنها المحللون والخبراء. وها نحن نقترب من احياء 11 سنة من الهدوء في الشمال. اليوم يمكن القول انها كانت نجاحا مدويا.
يديعوت