عون لا يريد عهده يبدأ حيث إنتهى أسلافه نقولا ناصيف
يوحي تلاحق الاقتراحات والصيغ كأن قانون الانتخاب غداً واجراء الانتخابات في اليوم التالي، فيما واقع الحال ان الفراغ حاصل غدا الا اذا… في ظن البعض ان الرئيس لن يقودهم الى ابعد من حافة التخويف. الصواب ايضاً ان الرجل لا يُجرَّب
يكاد موقف رئيس الجمهورية ميشال عون من عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، ومفاضلته الفراغ على انتخابات تجري وفق القانون النافذ كما على تمديد الولاية مجدداً، وحده ذا صدقية. يكاد الرئيس وحده ايضاً يختصر الحكم بالصلاحيات الدستورية المنوطة به تبعاً لاتفاق الطائف، ومن خلال دوره فحسب. لا رئيس الحكومة سعد الحريري يريد الاشتباك معه، ولا اي كتلة في البرلمان او في الحكومة تضع نفسها وجهاً لوجه معه.
لا احد قال انه اصاب بتلويحه بالفراغ، بيد ان الجميع يتوجس من القول انه اخطأ. بذلك، حتى اشعار آخر، ثمة رئيس لم يكبُ بقرار غير مسبوق لم تعتد عليه الكتل النيابية والحكومية المستمرة منذ انتخابات 1992، ولم يحتج لاطلاقه الى مجاراة فريقي 8 او 14 آذار. فإذا هو ضدهما معاً، وخصوصاً الكتل النيابية الكبرى اذ تضمحل وتتبخر ما ان يقع الفراغ. في 14 آذار مَن اقترع له وضده، وكذلك في 8 آذار.
لن يقبل عون بفرض أمر واقع بتمديد الولاية والابقاء على القانون النافذ
أكثر من اي مرة مضت، ثمة دور لرئيس الجمهورية يلعبه الرئيس فحسب. منذ مطلع حقبة الطائف تنوع اللاعبون والمتناوبون على هذا الدور. مرة في مرحلة محددة محصورة مع الرئيسين الياس هراوي واميل لحود بفضل القبضة السورية، ومرة اخرى لعبه الرئيس رفيق الحريري بمفرده مديناً به كذلك للقبضة نفسها، ومرة ثالثة سابقة انقضت منذ زمن لعب دور الرئيس فيها ما سُمي ترويكا الرؤساء الثلاثة. بعد اتفاق الدوحة كان توازن القوى ما بين فريقي 8 و14 آذار يلعب دور الرئيس، بينما رئيس الجمهورية حينذاك يراعي هذا او ذاك، حتى اذا جارى احدهما اصبح خصم الآخر، ما احال البلاد بلا دور حقيقي لرئيس الدولة. واقع الامر ان تجربة «الرئيس التوافقي» هي الاسوأ التي خبرتها الحياة الدستورية اللبنانية، اذ نقلت الدور من رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء.
تبدو اللعبة مختلفة اليوم، مع ان اللاعبين لا يزالون انفسهم، داخل الحكم وخارجه، وعون نفسه كان احدهم. لم تطل النغمة المفتعلة بأن الرئيس يسطو على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، او ان الاخير يتخلى عنها، بعدما سارع الحريري الى نقض التهمة. ليس ثمة ازمة موازين قوى في مجلس الوزراء تعيد تفريقها، ولم يرَ احد ــ اياً يكن موقفه من المغزى السياسي ــ ان رئيس الجمهورية تجاوز الدستور او صلاحياته، حتى عندما قال انه لا يوقع مرسوماً عادياً هو دعوة الهيئات الناخبة وبرّر الدوافع. من دون ان يؤيد الرئيس نبيه بري بالضرورة هذا الموقف، لاحظ انه ينطوي على حضّ اكثر منه على تهويل او تهديد بالفراغ. سلّم الجميع بصلاحيات لم ينبشها رئيس الجمهورية من عدم، بل استخدمها بعدما انكفأ اسلافه عن الاعتداد بسلاحها.
توقيع الرئيس يدخل في الطبيعة الدستورية المكوّنة للمرسوم العادي. من دونه لا يصبح نافذاً. لا مهل مقيّدة له، ولا قفز من فوق توقيعه او من تحته. اول مَن يوقع المرسوم هو الوزير او الوزراء المختصون الذين ينشأ معهم هذا المرسوم. بعد ان يُنشأ بالتوقيع الاول للوزير او الوزراء المختصين، يذهب الى رئيس الحكومة الذي هو اساسي ايضاً في صلب طبيعته الدستورية، بيد ان توقيعه غير كاف ما لم يمهره رئيس الدولة. عند رئيس الجمهورية يكتمل، كي يصبح برسم النفاذ او التجميد تبعاً للمصلحة الوطنية التي يقّدرها صاحب التوقيع الاخير.
قد لا يكون ذلك كله مهماً بالقدر الذي يحمله الموقف السياسي لعون، من خلال اصراره على عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وقد دخلت البلاد في قلب المهل القانونية الملزمة لتوجيه الدعوة، وهي على ابواب مهلة الشهرين الملزمة والمقيّدة لاجراء الانتخابات العامة، ما بين 19 نيسان و19 حزيران، وفق المادة 42 من الدستور.
ما هو اهم من ذلك المرسوم ـــــ في الظاهر على الاقل ـــــ المواقف التي يسمعها زائرو رئيس الجمهورية، فتفتّح آذانهم على ان الرجل لا يناور فحسب، بل هو جاهز للذهاب الى ابعد من كل اولئك الذين يلوحون له ـــــ وهم يواكبون امرار المهل والوقت ـــــ بفرض امر واقع عليه.
ما يقوله رئيس الجمهورية مختلف تماماً وجدي:
1 ـــــ اياً تكن الضغوط، لن يوافق على اجراء انتخابات نيابية وفق القانون النافذ، المنبثق من تسوية الدوحة.
2 ـــــ الجميع بلا استثناء يتحمّل مسؤولية عدم اجراء الانتخابات، بفعل الامتناع عن وضع قانون جديد للانتخاب.
3 ـــــ اذا لم يوضع قانون جديد للانتخاب، فإن عهده يدخل دائرة الشكوك والخطر الذي يحلو للبعض ان يصفه بأنه نهايته. اذا كان لا بد من ان ينتهي، لينتهِ بفراغ، لكن رئيس الجمهورية لن يسمح لاحد بالمضي في قانون 2008. ثمة ما سمعه الزوار من الرئيس: اذا كانوا يعتقدون بأنهم قادرون على انهاء عهدي على نحو ما يفعلون، فهم مخطئون وسيتحمّلون التبعات.
4 ـــــ لن يقبل باستمرار لعبة فرض أمر واقع عليه من خلال تمديد ولاية المجلس الحالي، وتالياً الابقاء على القانون النافذ. بعد انقضاء ثماني سنوات على آخر انتخابات نيابية (2009)، اخفق الافرقاء في وضع قانون جديد للانتخاب ومددوا مرتين لانفسهم. لن تكون ثمة مرة ثالثة.
5 ــ كما بدأه ينهي عهده، ولن يقبل لهذا العهد بأن يبدأ حيث انتهى اسلافه.
(الاخبار)