ناقوس خطر تركي: الإمارات على الحدود! صهيب عنجريني
تسابق سعودي إماراتي على النفوذ داخل «قسد»
تطوّر مهمّ في ملف الشمال السوري بدأت ملامحه بالارتسام. التعقيدات الهائلة التي ينطوي عليها المشهد الميداني، بدءاً من أرياف حلب، وصولاً إلى أقصى الشمال الشرقي في ريف الحسكة على موعدٍ مع تداخلاتٍ إضافيّة عنوانها وفود لاعب جديد إلى المشهد، إضافة إلى «صراع نفوذ خليجي» يشق طريقه إلى «قوّات سوريا الديموقراطيّة». عوامل الصراع كثيرة، منها ما يتّصل بالمشهد الإقليمي بعمومه، ومنها ما يُمثّله سيناريو «التقسيم» من تربة صالحة لمطامع مستقبليّة
بعدما ظلّت لسنوات طويلة بعيدة عن الانخراط بشكل مباشر في ملف الصراع السوري، سجّلت دولة الإمارات تحرّكاً لافتاً وراء الكواليس. البوصلة الإماراتيّة تشير إلى الشمال، وانطلاقاً من دوافع لا تقتصر على الشأن السوري فحسب، بل تتعدّاه إلى أحوال المنطقة بملفّاتها المتداخلة والمعقّدة، ومن بينها العداء المستحكم بين الإمارات وجماعة الإخوان المسلمين، مع الأخذ في الحسبان ما يمثّله ذلك من انعكاس طبيعي على العلاقات الإماراتيّة ــ التركيّة.
ومن المرجّح أن هذا التطوّر كان واحداً من الملفّات الني بحثها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في جولته الخليجيّة التي استثنت الإمارات بطبيعة الحال، وركّزت على الحليف القطري التقليدي، وعلى «حليف الضرورة» السعودي. ورغم أن تحرّكات الإدارة الأميركيّة الجديدة تُشكّل عاملاً أساسياً في توجيه البوصلة التركيّة من جديد (بعدما ضُبطت تلك البوصلة بتنسيق كامل مع موسكو منذ فشل المحاولة الانقلابيّة الشهيرة)، غير أنّ العامل الإماراتي لا يمكن إهماله في هذا السياق. ويعزّز ذلك أنّ الإماراتيين بدأوا بالفعل مدّ جسور نحو «الإدارة الذاتيّة» وذراعها العسكرية «قوّات سوريا الديموقراطيّة» العدو الأوّل لإردوغان.
وتفيد معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار» من مصادر عدّة بأنّ التحرّك الإماراتي المتسارع اختار المزاوجة بين مسارين أساسيين: أوّلهما يعزف على الوتر العشائري ويقترح «خطوط تمويل» على عدد من الزعماء العشائريين من الرقّة إلى دير الزور، فيما يجنح الآخر نحو نوع من «المصلحيّة الاستراتيجيةّ» ويخاطبُ الأكراد رأساً. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أنّ «محادثاتٍ جديّة» عُقدت بين شخصيات إماراتيّة وأخرى كرديّة (بعضها سياسي، وبعضها الآخر عسكري). وركّزت المحادثات في الدرجة الأولى على «المصلحة المشتركة التي تحتّم مجابهة التمدّد التركي في الشمال». ومن المرجّح، وفقاً للمعلومات المتوافرة، أن التحرك الإماراتي يأتي على خلفيّة «مراجعة استراتيجيّة للدور الإماراتي في ملفّات الإقليم» اضطلعت بها شخصيّات أمنية وازنة. وشكّل التمدّد التركي المتسارع في الشمال السوري عاملاً أساسيّاً في استشعار «ملامح تجاوب كرديّ» مع المبادرة الإماراتية. وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ «الأكراد، رغم الثقة الكبيرة التي يُظهرها قسم كبير من قادتهم بالأميركيين، باتوا يستشعرون مخاطر وجوديّة حقيقيّة، تُحتّم الحاجة إلى شراكات عشائريّة لا تقتصر على الأطراف المتموّلة سعوديّاً». ويرزح الأكراد تحت وطأة «مخاوف كبرى» من تغيرات جذرية في الشمال تضعهم في مواجهة حرب «كرديّة ــ عربيّة» في مراحل تالية، وبـ«تحريض تركي مضمون». وتلعب هذه المخاوف (علاوة على ما يشكله المال من إغراء مهم) دوراً محوريّاً في التعاطي الكردي مع الطرح الإماراتي. ورغم أن المساعي الإماراتيّة نحو استغلال العلاقات العشائريّة ليست جديدةً، غير أنّ وتيرتها أخذت بالتسارع خلال الشهرين الأخيرين. ويحتفظ الإماراتيون بالفعل بنفوذ لا يستهان به على «تيار الغد» الذي يتزعمه الرئيس الأسبق لـ«الائتلاف المعارض» أحمد الجربا. وتزايدت أسهم «التيار» بعد تكرار طرح اسمه مشاركاً أساسياً في عمليات «تحرير الرقّة» الموعودة. غير أنَ التحرك الإماراتي المتسارع قد يثمر قريباً الإعلان عن تشكيلات عسكرية عشائرية جديدة تقسم «البيض» على غير سلّة، وتضمن «ولاءً تامّاً» خلافاً لـ«الغد» الذي كان رئيسه في مرحلة سابقة «رجل السعوديّة الأوّل» في الملف السوري، مع ما يعنيه هذا من احتمالات تجدّد الود بين الطرفين، ولا سيّما إذا دفعت الولايات المتحدة في هذا الاتجاه. ورغم انحسار حضور السعوديّة عن المشهد المسلّح في الشمال السوري، فهي لا تزال قادرةً على التّأثير فيه بفعل سطوة التمويل والتسليح من جهة، والصّلات العشائريّة من جهة أخرى. ويبدو لافتاً أن الأجهزة السعوديّة تنبّهت خلال الشهور الأخيرة إلى ضرورة التحرّر من الهيمنة التركيّة التي لم تفرض نفسها على معظم المجموعات المسلّحة فحسب، بل على مموّليها أيضاً. وشكّل ذلك دافعاً سعوديّاً للعمل في اتجاه آخر متحرّر من الهيمنة التركيّة، وقاد هذا التوجّه إلى المعسكر الأشد عداء لإردوغان وهو معسكر «قوّات سوريا الديموقراطيّة». وعمل السعوديّون خلال الشهور الأخيرة على تعزيز صلات قديمة (لم تنقطع) بينهم وبين واحد من التشكيلات العربيّة داخل «قسد» وهو «جيش الثوّار» الذي يقوده عبد الملك بُرد (أبو علي) وهو أحد المساعدين السابقين لجمال معروف قائد «جبهة ثوار سوريا» البائدة. والواقع أن عدداً لا يُستهان به من مقاتلي «جيش الثوّار» هم في الأصل مقاتلون سابقون في «جبهة ثوار سوريا». وتؤكد معلومات «الأخبار» أنّ مؤشرات العلاقة بين السعوديين و«جيش الثوار» بدأت الذهاب في منحى تصاعدي خلال الشهرين الأخيرين. ومن المرجّح أن تسعى أنقرة إلى إقناع «حلفاء الضرورة» السعوديين بتسخير هذا العامل لدفع «الثوّار» إلى الانفصال عن «قسد» بدلاً من أن تفيد الأخيرة من أي دعم سعودي. وبعبارة أوضح، تبحث أنقرة عن تسخير المال السعودي لخدمتها مجدّداً بدلاً من أن يخدم هذا المال عدوّاً وجوديّاً هو «قسد»، وبالتالي تحويل «جيش الثوار» إلى أداة من أدوات السيطرة في «المناطق الآمنة» الموعودة بدلاً من كونها رأس حربة ميدانيّاً ضدّ «درع الفرات». وزيادة في التعقيد، يُنتظر أن تُقدم هذه المساعي التركيّة دفعاً إضافيّاً للعلاقة بين «قسد» والإماراتيين، ولا سيّما أنّ مبعوثين عشائريين نقلوا رسائل إماراتيّة إلى قيادة «جيش الثوار» نفسها تعرض «بديلاً مغرياً من الود السعودي». وليس من المتوقّع أن يحسم «جيش الثوار» أمره ويرجّح واحدة من الكفّتين من دون الحصول على مباركة أميركيّة، إذ يُعتبر هذا الفصيل واحداً من أصحاب الحظوة الأميركيّة منذ تشكيله (أي قبل انضمامه إلى «قسد») وأحد الذين تلقّوا دعماً من غرفة «الموم» الدوليّة.
مسيرة «جيش الثوار»
شُكّل «جيش الثوار» في أيار 2015 بعد اندماج سبع مجموعات مسلّحة هي: «لواء المهمات الخاصة (بقيادة أبو علي بُرد)، تجمُّع ثوار حمص، كتائب شمس الشمال، جبهة الأكراد، لواء السلطان سليم، الفوج 777 واللواء 99 مشاة». وانضمّت إليه لاحقاً مجموعات أخرى مثل «لواء شهداء الأتارب، كتائب القادسيّة، لواء السلاجقة». وفي تشرين الثاني من العام نفسه، أعلن «جيش الثوار» انضمامه إلى «قسد» وتسلّم بعض قادته «مناصب» فيها، وأبرزهم طلال سلو المتحدث باسم «قسد». ومن المحطات المهمّة في مسيرة «الثوّار» مساهمته في أيلول 2014 بتأسيس «غرفة بركان الفرات»، إلى جانب «وحدات حماية الشعب» الكردية و«لواء ثوار الرقة»، والمشاركة في القتال ضد «داعش» في معارك عين العرب (كوباني) وتل أبيض (ريف الرقة الشمالي). كان «جيش الثوار» قد حاول حماية «الفرقة 30» المدرّبة أميركيّاً من «جبهة النصرة» إبّان محو الأخيرة لـ«الفرقة» من خريطة التشكيلات المسلّحة (تموز 2015). وأسفر ذلك عن وقوع معارك بينه وبين «النصرة» التي اقتحمت مقارّ له، وأسرت عدداً من مقاتليه. العداء مع «النصرة» إحدى أوراق «القوّة» في يد «جيش الثوار» إضافة إلى أن عدداً كبيراً من مقاتليه هم من أبناء إدلب، ما يجعله مهيأً للعب دور مستقبلي في إدلب. يناهز عديد «جيش الثوّار» 1500 مقاتل، ومن أبرز مناطق سيطرته حالياً: منطقة منغ (ريف حلب الشمالي)، وكان حتى شهور خلت متناغماً مع توجهات «قسد» إلى التهدئة والتنسيق في غير ملف مع الجيش السوري، قبل أن يلعب أخيراً دوراً في فرملة جهود كانت ترمي إلى رفع العلم السوري في مطار منغ العسكري.
(الاخبار)