المؤتمر الفلسطيني للإخوان في تركيا د. فايز رشيد
لعل شاعرنا الكبير محمود درويش, لو كان حيّا ,لقام بتغيير كلمات بيت شعرٍه من قصيدته ” طوبى لشيء لم يصل”, من القول , ” مرحلة بأكملها أفاقت ذات موت.. من تدحرجها على بطن الهزيمة” , إلى, “مرحلة بأكملها استمرت ذات موت ..في تدحرجها إلى بطن الهزيمة”! . بداية ,لا يحق لبلد يدين أنبل وأشرف ظاهرة عربية,وهي المقاومة الفلسطينية (كما حصل في عملية الدهس في القدس) ويسمها بـ “الإرهاب”, امتلاك شرف عقد مؤتمر فلسطيني على أرضه, لمن يدّعون أنهم “ممثلوا الفلسطينيين في الخارج”, حول حقوقنا الفلسطينية , وإعادة بناء مؤسسات المنظمة…الخ. لا يحق لبلد لم تتوقف علاقاته التطبيعية ,على مختلف الأصعده يوما, مع أقبح كيان سوبر فاشي في التاريخين القديم والحديث, وإسقاطه لشرط “فك الحصار عن غزة” كثمن لإعادة العلاقة معه. بالرغم من أن قادة هذا البلد يسحلون المعارضة , ويعتقلون أفرادها بعشرات الآلاف, ويطردون المعارضين بمئات الآلاف من وظائفهم. لا يحق لهؤلاء ولا دكتاتورهم التمسّح إثما وعدوانا بشرف القضية الفلسطينية . من ناحية ثانية, لا يحق لأكبر مطبّع عربي , وأجهزة إعلامه ,هي التي أدخلت الصهاينة إلى بيوتنا , وزعماؤه, هم من اشتروا قصورا في نتانيا وعلى شواطىء تل أبيب, واخترعوا تعبيري “تسولّ” و “توسلّ” العدو الصهيوني, ويقيمون أفضل العلاقات معه, أن يكونوا أوصياء على القضية الفلسطينية من خلال تمويلهم للمؤتمر في افخم فنادق استانبول, كما سفرات أعضائه,إضافة إلى “البوكيت موني” في جيب كل واحد منهم في نهاية أعمال المؤتمر.
إذا كان “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين”, يرى في دكتاتور البلد الأول, “خليفة للمسلمين” كما نصّبه ورآه الأخ خالد مشعل, فليهنأوا هم بخليفتهم المزعوم, لكن إسلام “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة , ومن رباط الخيل, ترهبون به عدو الله وعدوكم, وآخرين من دونهم.. الخ”, إسلام “يا أيها النبيّ حرّض المؤمنين على القتال” ,إسلام ” وقاتلوا الذين يقاتلونكم” , هذا الإسلام هو الذي تتبعه غالبية جماهيرنا الفلسطينية ,وأمتنا العربية, وليس إسلام أردوغان, الذي نظّم وما يزالْ فصائل الإرهاب لتدمير سوريا والعراق ,وأدخل جيشه في أراضيهما ليحتلها, مع العلم أنه يدّعي أن كلا من حلب والموصل هي أراض تركية. أيضا, ليس من حق من يعقد هدنة طويلة الأمد مع العدو الصهيوني, تماما مثل من أراد الحج إلى بيت الله (والناس راجعة ), من خلال إصراره على نهج المفاوضات معه, رغم سنّه لقانون اللصوصية لسرقة ما تبقى من أراضي الضفة الغربية, وأراضي النقب في المنطقة الفلسطينيية العربية, اليبوسية الكنعانية الأصيلة المحتلة عام 1948. تماما, كمن لم يجرأ على إدانة الكيان لسنّه هذا القانون, الذي هو مقدمة لسنّ قانون جديد يعتبر الضفة الغربية , “يهودا والسامرة”, أراضٍ “إسرائيلية”, لماذا لم يطلب الإخوان المسلمون من “خليفتهم” قطع العلاقات مع العدو الصهيوني؟. الإخوان الذي أفلسوا في مصر والسودان وليبيا وتونس وغيرها! نعم, بملء الفم نقولها, إنهم يريدون الاستثمار في قضية, يتصورونها رابحة ! وهي القضية الفلسطينية.
للعلم, أنه وبعد الحقائق الصهيونية “الإسرائيلية” الأخيرة, التي يفرضها العدو الصهيوني على أرضنا الفلسطينية الأبية, العصيّة على التهويد , وتأكيده القطعي , بأن لا دولة ستقام بين النهر والبحر,غير دولة “إسرائيل” , ونفيه للقاعدة والأساس والأرض التي يمكن أن تقام عليها دولة فلسطينية عتيدة (يحلمون بإقامتها لإسقاط عجزهم, لكنها لن ترى النور, ما دامت “إسرائيل” موجودة, والتي هي حتما إلى زوال ,طال الزمن أم قصُر) فإن شعار “الحل المرحلي “, أثبت عقم من نظّر له , ومن تبنّاه, ومن ارتكن ويرتكن إلى إمكانية تحقيقه. نعم, أدّعي, أن كل أولئك لم يقرؤوا عن الحركة الصهيونية مشروعها, لا خطرها الإقليمي ولا الدولي, ولا اقتراحاتها للحل الدائم, ولا مشروعها المستقبلي, ولا تحولات شارعها. اعتقدوا لغبائهم أن الأفعي, ستلبس يوما جلداٍ إنسانيا! وتجنح للسلام, الذي هو في تناقض رئيسي مع أهدافها وجوهره ووجودها المرتبط بالتآمر والعدوان على كل ما هو إنساني, هذه الصهيونية, التي سمّتها الأمم المتحدة يوماٍ “شكلا من أشكال التمييز العنصري والعنصرية”. بمعنى آخر,إنها فاشية, نازية, ظاهرة قبيحة.
لذلك, يتوجب التركيز الآن فقط على هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر, بمعنى عودة الصراع إلى مربعه الأول. صدقوني: أنه لو وصلنا إلى موازين نفرض فيها على العدو اعترافه بحق العودة, وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة, نكون والحالة هذه في وضع ,قادرون فيه على محاصرة تل أبيب. الكيان الصهيوني لن يحتمل سوى هزيمة واحدة. لذلك بعد الآن, فإن الحديث عن دولة مستقلة وعن عودة للاجئين, هو إهمال للجوهر لحساب أهداف فرعية لن تتحقق إلا بالتحرير.
أما بالنسبة للدعوات التي وجههنها اللجنة التحضيرية للمؤتمر, فهي للإخوان المسلمين وأنصارهم, مع الحرص على دعوة البعض من الآخرين, لتطعيم المؤتمر. المفترض لو كان لداعي المؤتمر نوايا حقيقية سليمة , لوجهت الدعوات إلى كل الفصائل الفلسطينية, لتحديد مندوبيها, ولتركت للهيئات المسؤولة عن الجاليات في دول المهجر ,حرية انتقاء مندوبيها, على أن يحري عقد المؤتمر في بيروت أو مقر الجامعة العربية في القاهرة. أما بالطريقة ,التي تمت بها الدعوة والشعارات ,التي ينعقد المؤتمر تحت لوائها, فالمقصود منها ,إعادة تلميع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين, وتلميع السلطان السلجوقي العثماني في قصره الأبيض المشيّد حديثا, الذي حصر القرار السياسي التركي بين يديه ,والحالم بإعادة مجد إمبراطوريته البائدة, التي كانت أكبر سبب لتخلف الأمة العربية قرون طويلة, أذاقوا فيها أبناء أمتنا أبشع أنواع العذابات.