رهاب النسبية: مياه الأرقام تكذّب غطّاسي «المســتقبل»! ميسم رزق
يرفض تيار «المستقبل» اعتماد النظام النسبي في الانتخابات بحجّة عدم صلاحيتها في ظل «السلاح غير الشّرعي». لكن الأرقام تؤكّد أن النسبية وحدها ما يتيح إختراق لوائح «أصحاب السلاح» في المناطق ذات الغالبية الشيعية. مشكلة «المستقبل» الوحيدة مع النسبية هي خوفه من فقدان جزء من مقاعده النيابية
لا يفوّت تيار «المستقبل» فرصة لتبرير رفضه إجراء الانتخابات على أساس النسبية، بوجود «السلاح غير الشرعي» الذي يحول دون قيام مجلس نيابي يعبّر عن إرادة الناخبين. فيما الواقع أن هذا الموقف لا يعدو كونه «رُهاباً» واضحاً من تقلّص كتلة النواب التي يقبض عليها منذ عام 2005.
فـ»السلاح غير الشرعي» هو هو، سواء اعتمدت النسبية أو «الستين» أو أي صيغة أخرى، والتيار نفسه حصّل كتلته المنتفخة في ظل هذا السلاح في انتخابات 2005 و2009. والموقف المبدئي يحتّم رفض إجراء الانتخابات مطلقاً، ووفق أي صيغة، طالما بقي هذا السلاح موجوداً!
أكثر من ذلك، فإن اعتماد النسبية يصبّ في مصلحة «المستقبل» التي يُفترض أنها تكمن في إضعاف أصحاب «السلاح غير الشرعي». إذ إن هذه الصيغة هي الوحيدة التي تتيح فوز «فريق ثالث» من خارج ثنائية حزب الله ـــ حركة أمل. بالعودة إلى نتائج انتخابات 2009، يتبيّن أن آخر الفائزين على لوائح «الثنائي الشيعي» في كل المناطق يتقدم بعشرات آلاف الأصوات على أول المرشحين الخاسرين. ففي دائرة الزهراني، مثلاً، نال النائب علي عسيران 43746 صوتاً في مقابل 3574 صوتاً لأول الخاسرين رياض الأسعد. وفي قضاء صور وصل الفارق الى 65 ألف صوت بين آخر الفائزين النائب علي خريس وأول الخاسرين جمال صفي الدين. وكان المرشح علي عقيل مهنا يحتاج إلى أكثر من 48 ألف صوت كي يفوز على النائب أيوب حميد في بنت جبيل ويخرق اللائحة. فيما تجاوز الفارق بين النائب علي فياض والمرشح أحمد الأسعد في مرجعيون الـ 36 ألف صوت، ونجح النائب عبد اللطيف الزين في النبطية بفارق أكثر من 51 ألف صوت عن أول الخاسرين أدهم جابر.
وحده إجراء الانتخابات وفق النظام النسبي سيسهّل خرق أي تحالف انتخابي في هذه المناطق (حتى لو سجّلت نسبة الاقتراع رقماً قياسياً). فعلى سبيل المثال، إذا جرت الانتخابات في منطقة الجنوب كدائرة واحدة على أساس النسبية (وفق أرقام 2009)، فإن المطلوب لخرق لائحة الثنائي لن يتجاوز 16 ألف صوت. أما في حال اعتماد الجنوب دائرتين، فإن أي مرشح سيكون بحاجة إلى أقل من 17 ألف صوت للفوز، ما يعني أن أي مرشّح يحظى بدعم من خصوم الثنائي ويملك خطاباً سياسياً ورصيداً شعبياً ولو محدوداً سيكون قادراً على الفوز، فيما يحتاج وفق النظام الأكثري إلى 40 ألف صوت على الأقل. أما في حال سجّلت نسبة الاقتراع رقماً قياسياً يصل إلى 67 في المئة (كما في كسروان في الانتخابات الماضية) فإن المطلوب للخرق لن يتجاوز عتبة الـ 24 ألف صوت من أكثر من قضاء، فيما العدد الأدنى المطلوب في أي قضاء وحده في النظام الأكثري يتجاوز 36 ألف صوت.
بحسب الخبير في شؤون الانتخابات رئيس «مركز بيروت للأبحاث» عبدو سعد «لا يُمكن الشيعةَ، في أي قانون أكثري، أن يتمثّلوا من خارج ثنائي حزب الله وحركة أمل بمعزل عن حجم الدوائر». أما في النسبية «فستكون الفرصة سانحة لذلك. فإضافة الى تقليل الفارق المطلوب لإحداث خرق، تشجع النسبية الناخبين على الاقتراع لأن أصواتهم قد تحدث فرقاً». ويوضح: «عام 2009 بلغت نسبة تصويت الشيعة في الجنوب 50 في المئة. أما الـ 50 في المئة الآخرون، فجزء منهم غير موجود في لبنان، فيما امتنع القسم الأكبر عن الاقتراع شعوراً منهم بأن النتائج معروفة سلفاً». وبالتالي «إجراء الانتخابات وفق النسبية سيرفع نسبة المقترعين الشيعة، وإمكانية الاختراق ستكون أكبر، وعندها سنرى مرشحين مستقلين سيتوافقون في ما بينهم ليشكلّوا لائحة أو أكثر، وخصوصاً أنه ستكون لديهم فرصة جدّية للتمثل، وهم بحاجة إلى نحو 20 ألف صوت للفوز في حال كانت نسبة الاقتراع أقل من 60 في المئة». ويرى سعد أن «السلاح، في حال استعمل للترغيب أو الترهيب، يحقق فعالية في ظل النظام الأكثري أكثر من النسبي»، مؤكداً أن «تمسّك تيار المستقبل بالقانون الأكثري سببه أنه يمكّنه من نيل مقاعد تفوق حجمه الشعبي». ويلفت سعد الى أن «التيار سيخسر بالنسبية بعض المقاعد، لكن الأكيد أنه سيخسر وفق الأكثري عدداً لا بأس من المقاعد أيضاً». ففي طرابلس مثلاً «لن يستطيع كسب أي مقعد إلا في حال تحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي بسبب تراجع شعبيته، مقارنة مع 2009». وحتى في المنية ــ الضنية، «ليس محسوماً أنه سيحافظ على مقاعده الثلاثة». وبناءً عليه، يعتبر سعد أن «النسبية الكاملة هي الضمانة لحصة المستقبل في المجلس النيابي».
تتجاهل مصادر مستقبلية هذه الوقائع. وتُصر على أن «النسبية في ظل السلاح لا يُمكن القبول بها». ففي رأيها «القوى المعارِضة لحزب الله لن تتمكن من ممارسة عملها الانتخابي بحرية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية»، و«لن يكون متاحاً لها القيام بحملات انتخابية وستتعرض لضغوط». بحسب المصادر نفسها، فإن «الحسبة» على أساس النسبية ولو تقلصت الفوارق لتسمح بالخرق ليست وقائع يُمكن البناء عليها. ففي كل الأحوال «سيعمل الثنائي الشيعي على تعزيز وضعيته في المناطق وفق أي نظام، وهو سيستغل فائض القوة الشعبي الموجود لديه في حال ارتفاع نسبة الاقتراع، كي تبقى النتائج لمصلحته». وأضافت المصادر إن «حزب الله لا يمارس الضغط في النظام الأكثري لأنه يعرف أنه يستحيل أن ينجح أحد في اختراق لوائحه نتيجة الفارق الكبير بالأصوات والذي يصل إلى عشرات الآلاف»، لكنه «سيكون مضطراً الى لغة التهديد في حال شعر بأن ثمة أشخاصاً قادرين على الخرق ويملكون حيثية سياسية وشعبية وتاريخاً عائلياً». وحينها «سيتبع الحزب الأسلوب الذي اتبعه في الانتخابات البلدية الأخيرة، حين قام بتهديد المرشحين والضغط عليهم للانسحاب، بعدما شعر بأن العائلات ترفض المرشحين الذين فرضهم الحزب وحركة أمل». لماذا لا تقاطعون الانتخابات كلها في ظل السلاح وتعلنون العصيان الانتخابي إذاً؟ «هذا أمرٌ مستحيل» تقول المصادر، لأنه أمر «مخالف للدستور والأعراف والقوانين». وتضيف: «نحن مع مشروع الدولة، وفي حال قاطعنا الانتخابات سيعتبر ذلك انقلاباً على المؤسسات».
(الاخبار)