بقلم غالب قنديل

الحلف الشرقي في الاختبار

غالب قنديل

منذ حملته الانتخابية يكثر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من عبارات التأكيد على التعاون والشراكة مع روسيا التي ما تزال محاصرة بالعقوبات الأميركية بينما يخص كلا من الصين وإيران بعبارات تحريضية وعدائية متوعدا بتدابير وإجراءات تستهدف هاتين القوتين الشريكتين لروسيا في تحقيق تحول استراتيجي على صعيد توازن القوى العالمي في مجابهةالهيمنة الأحادية الأميركية وتشير الخطوات الأخيرة إلى تبني ترامب وإدارته لأولوية استهداف إيران بحملة من الضغوط والعقوبات.

ظهرت في تقارير ودراسات مراكز الأبحاث الاميركية المحافظة توصيات بضرورة تركيز الجهد الأميركي على تفكيك الحلف العالمي الذي واجه الخطط الأميركية في سورية خلال السنوات الماضية وقاد التفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران وحقق تقدما في بلورة شراكة اقتصادية عالمية مناهضة للهيمنة الأميركية من خلال منظمة شانغهاي ومجموعة البريكس التي استهدفت إدارة اوباما جناحها الفاعل من الدول والحكومات الحرة في جنوب ووسط القارة الأميركية.

أثبت الحلف الشرقي الروسي الصيني الإيراني صلابة وتماسكا كبيرين في العديد من المعارك التي أفشل بها خطط الولايات المتحدة وشكل تناغم هذا الحلف الشرقي في دعم الدولة الوطنية السورية وتعزيز قدراتها على الصمود في وجه الحرب بالوكالة التي قادتها الولايات المتحدة نموذجا لفاعلية التنسيق الواقعي البعيد عن الاستعراض والذي لعبت القيادة السورية دورا منهجيا وحكيما في تظهيره وتأصيله والبناء على نتائجه فكانت هي قوة التلاقي بين جهود الحلفاء والشركاء من غير أي تضخيم سياسي لصورة الحلف الشرقي في مقابل حلف الناتو وعملاء الغرب في المنطقة الذي قادته الولايات المتحدة وقد اظهر حلفاء سورية مقدرة هائلة على توزيع الأدوار والتناسق الهاديء في جميع الظروف.

يعتبر المخططون الأميركيون ان امام إدارة ترامب فرصة للتلاعب بتناقضات وتعارضات افتراضية بين اطراف هذا الحلف الشرقي وهم يسترجعون تجربة التلاعب الأميركي خلال الحرب الباردة بمفردات النزاع السوفيتي الصيني كما يشتغلون مؤخرا على فرضية إحداث تعارض روسي إيراني حول سورية وينصحون الرئيس الأميركي وفريقه باتباع سياسات تعظم الحساسيات والتناقضات والمنافسة بين الشركاء الشرقيين الذين قوضوا منظومة الهيمنة الأحادية أوهددوها على الأقل وهذا التوجه يفسر العديد من تعبيرات الحملات الإعلامية الغربية والخليجية التي تروج التعارضات الافتراضية وتعمم الايحاءات حولها بالمبالغة المقصودة لضرب الحالة المعنوية لمعسكر مناهضي الهيمنة.

يشكل هذا التحدي الكبير اختبارا لاستراتيجيات موسكو وبكين وطهران ودمشق ولمستوى إدراك المصالح المشتركة وفهم دروس سنوات الصراع الدامي حول العالم وفي الشرق الكبير خصوصا وحيث اظهرت التجربة ان الاضطراب والارتباك اللذين يخيمان على المعسكر الغربي هما نتيجة تضحيات جليلة قدمتها شعوب الشرق لصد الخطط الأميركية الأطلسية وحروبها المتنقلة عبر الجيوش الإمبراطورية وبحشد جيوش المرتزقة والإرهابيين والحكومات التابعة للهيمنة في مناطق الصراع.

اظهرت التجارب حتى اليوم توافر وعي استراتيجي للمصالح المشتركة وامتلاك معايير دقيقة في فحص مصداقية النوايا الأميركية بلوائح الالتزامات العملية أيا كان ساكن البيت البيض وتعلم عواصم الشرق الكبرى مقدار ما نثر باراك اوباما من الوعود والتطمينات بعد حروب دبليو بوش ومغامراته العدوانية ثم انخرط بعدها في حروب ومغامرات جديدة ادهى وأشد خطرا ومكرا كما هي حال الحرب على سورية التي هي واقعيا حرب باراك اوباما وتبين الوقائع اليوم ان القوات الأميركية الخاصة تتواجد على أرض 138 دولة في العالم وتخوض حروبا سرية وعلنية في عشرات الدول لتقويض استقرارها.

الحقيقة التي ينبغي أن ينطلق منها التفكير في مسار الأحداث والاحتمالات هي ان إدارة دونالد ترامب تضع في مقدمة اولوياتها السعي لتفكيك حلف الشرق ودق الأسافين بين اطرافه في جميع محاور الصراع الكوني على مستقبل العالم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى