بقلم غالب قنديل

لا تكرروا الخطيئة ذاتها

غالب قنديل

الاستقواء في وجه مطالب التغيير والإصلاح ومحاولة إدامة التسلط السياسي نهج له سيرة طويلة في تاريخ لبنان المعاصر وكذلك التحصن بالعصبيات الطائفية والمزاعم الباطلة عن هواجس الطوائف لحماية احتكار التمثيل الطائفي …

يمكن لمن يتابع النقاش حول قانون الانتخاب ان يخرج بخلاصات كثيرة حول الشبه بين المرحلة الراهنة ومراحل سابقة من الجدال اللبناني المزمن حول سبل تطوير النظام السياسي الطائفي والسعي لتحقيق الوعد الممنوع تاريخيا بتجاوز الطائفية السياسية في حاصل مسيرة متدرجة يطالب المنادون بالإصلاحات وبكل تواضع وبمبالغة في الواقعية امام التغول الطائفي بأن يعلن بدءها فحسب مهما طال الختام .

المجادلون في رفض النسبية لا يدافعون عن وجود الطوائف التي ينتحلون النطق باسمها ويحتكرون تمثيلها بل إنهم يخوضون معركة مدروسة لتكريس احتكارهم على حساب مخالفيهم في قلب تلك الطوائف وعلى صعيد وطني أوسع وأشمل.

الدليل البسيط ان جميع الاعتراضات المتداولة في الكواليس تتمحور حول الحصة النيابية للفرقاء مع كل صيغة مقترحة لقانون الانتخاب بمعنى ان القيادات السياسية تريد ضمان احجامها النيابية مسبقا وحظر اختراق معارضيها داخل طوائفها بناء على الوصفة الانتخابية سواء في النظامين الأكثري او النسبي وحيث اشتقت بدعة تصنيف المقاعد الطائفية وتوزيعها على هذين النظامين لتحقيق تلك الغايات السياسية المتصلة بالهيمنة على السلطة والثروة.

يدور النقاش إلى اليوم منذ ثماني سنوات في حلقة مفرغة ويتمادى الاختلاف رغم ضيق المهل بسبب عناد القوى الرافضة للإصلاح الانتخابي وهي نفسها القوى التي استخدمت بعد الطائف ثقل الدور السوري لتكرس هيمنتها بتفصيل القوانين الانتخابية والدوائر بصورة تضمن لها الهيمنة على الأكثرية النيابية .

قامت تلك القوى خلال ما يزيد عن ربع قرن بتهميش جميع خصومها ومخالفيها ومصادرة الحقوق التمثيلية للشباب والنساء وللقيادات والتيارات التي مورس ضدها الإقصاء والتهميش السياسي قسرا وللتنويه فقد استهدف ذلك النهج وأصاب قوى فاعلة من جميع الطوائف والمناطق فإذا كانت الشكوى المسيحية من التهميش طابشة على غيرها لأن ما جرى بقوة قوانين الانتخاب الأكثرية كان مصادرة للتمثيل لكن يفترض التذكير بما أصاب كل من عارضوا المشروع الإعماري في تلك الحقبة وانتقدوه من شخصيات وقيادات وزعامات وطنية من الشركاء في اتفاق الطائف ومسيرته كالرئيسين سليم الحص وعمر كرامي والوزراء الياس سابا وزاهر الخطيب وطلال إرسلان والنائب نجاح واكيم وغيرهم العديد من ناقدي الرأسمالية المتوحشة ونهج الخصخصة والتقاسم الذي شكل المحتوى الاقتصادي الاجتماعي لحكم ما بعد الطائف وبينهم حلفاء كبار لسورية لم تحصنهم خياراتهم القومية ضد الاستباحة السياسية والانتخابية.

جميع الخضات الكبرى التي هزت لبنان منذ عام 1943 كانت حاصل التحجر السياسي والجشع والاحتكار والصد العنيف والقاسي لدعوات الإصلاح فأزمة العام 58 لم تكن فحسب حصيلة الصراع الإقليمي الدولي وانعكاسه الداخلي بل إن فتيلها المشتعل كان تفصيل الدوائر الانتخابية وإقصاء قيادات رئيسية في البلاد عن البرلمان وأزمة 75 وحربها المديدة كانت في جانب منها نتيجة لرفض دعوات الإصلاح السياسي والانتخابي والاجتماعي وللتصميم على التصدي للحركة الشعبية بالعنف الطائفي لتمزيقها.

كذلك فإن ما وقع بعد الطائف من توترات اجتماعية وسياسية كان نتيجة المنهجية التي اعتمدت لتثبيت هيمنة قوى سياسية احكمت قبضتها على السلطة فتمت صياغة القوانين الانتخابية مسبقا لفرض تهميش كيدي استهدف المعترضين من سائر الاتجاهات والتيارات والعقائد والطوائف والمناطق.

هذه التجارب المؤلمة والمكلفة حاضرة في وعي الرئيس ميشال عون وفي ثقافته النقدية ووعيه الوطني وهذا سر تصميمه الحكيم على الدفع بكل قواه المعنوية وبصلاحياته الدستورية لصالح النظام النسبي لأنه مدرك لعبرة التجربة وهي أن إغلاق أبواب المؤسسات التمثيلية على أي نخبة حاكمة لمنع تمثيل القوى الحية المتعددة في المجتمع سيقود إلى التحجر والرجعية ويحول دون إطلاق المنافسة الديمقراطية في المشاريع والبرامج لمصلحة الوطن والشعب وهو لذلك يعي جيدا انه من غير قانون انتخابي عادل لا يهمش احدا ستعيش البلاد دورات متعاقبة من التأزم والتوترات الداخلية التي تجعلها في حالة وهن وضعف أمام الأخطار والتدخلات وتشل الحياة العامة كما تعيق أي تقدم اجتماعي واقتصادي في زمن شديد الصعوبة عالميا وإقليميا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى