الجرف الصامد تقرير محزن لا حاجة اليه: دان مرغليت
الجرف الصامد أ: تقرير مراقب الدولة يوسف شبيرا حول عملية الجرف الصامد هو تقرير محزن، لكن معظمه لا حاجة له، لأن العملية العسكرية تمت بالشكل المناسب. ومثل كل خطوة معقدة كانت فيها ايضا أخطاء في التنفيذ وفي التقديرات. ليس مثل حرب لبنان الثانية في العام 2006 التي دخل اليها اهود اولمرت بدون تفكير أولي – الجرف الصامد تدهورت اثناء فقدان سيطرة القيادة على ما يحدث في الميدان، لكن بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبني غانتس قاموا بادارتها بالشكل المناسب، رغم الاخطاء التي قد ترافق كل معركة كهذه.
منذ البداية لم يكونوا يريدونها، وحاولوا الامتناع عن الدخول في عملية برية. وقصفوا حماس من الجو والبحر بشكل كبير، يمكن أن يكون مبالغا فيه، وبدون أي خيار دخلوا الى الانفاق، وفي الحاصل النهائي تصرفوا بحكمة، أطالوا ايام الحرب، لكنهم قاموا بانقاذ جنود الجيش الاسرائيلي، لأنه كانت هناك مبادرات لوقف اطلاق النار شملت هدوء في الحرب، ولاسرائيل كانت اسباب سياسية معقولة بعدم ادارة الظهر، خصوصا عدم توريط مصر والخروج معها ضد حماس. وقد كانوا على حق. هذا هو المنطق في الصيغة الكلاسيكية لكلاوزفيتش بأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى. والعكس صحيح ايضا.
الامر الذي اقترحه نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان كان مثابة الفيل في حانوت الأدوات الزجاجية. ما الذي أرادوه؟ القضاء على حكم حماس. هذا لم يكن هدف واقعي، لكنه شعبوي. والقادة الثلاثة لم يستجيبوا لهذه الشعارات. ويجب قول الحقيقة وهي أن هذه العمليات تعطي عامين أو ثلاثة من الهدوء ولا تقضي على العدو. وفي هذا التعريف الحديث يدور عن قصة نجاح كبيرة.
هذا هو الواقع على قدم واحدة، والباقي هو من اختصاص التحقيقات في الجيش الاسرائيلي، وليس تحقيقات شبيرا.
ادارة نصف الظهر للعدو
الجرف الصامد ب: لقد دافع نتنياهو في خطابه في هذا الاسبوع عن نفسه من خلال ادعاء أنه عند تلخيص النقاش الامني السنوي، طرح موضوع الانفاق. يوجد خط دفاع واحد أكثر تعقيدا: هذا غير هام. لنتنياهو ويعلون وغانتس والجهاز العسكري صلاحية كاملة في القول بأن الانفاق ليست أولوية اولى. مثلا من الافضل الاستثمار في تحصين السيارة أو بناء القبة الحديدية أو الاستخبارات ضد ايران وبعد ذلك الانفاق. لأنه لا توجد ميزانية تكفي كل شيء. في هذه الحالة، حتى لو اخطأت القيادة في التقدير وهاجمت حماس الجيش الاسرائيلي من خلال استخدام الانفاق، واستطاع الجيش الاسرائيلي التفوق على المخربين حتى لو كان متأخرا وبثمن أكبر. هذا قرار منطقي حتى لو كانت نتيجته مخيبة للآمال.
لقد ذكرني ذلك بنقاش مع اهود باراك، عندما عين رئيسا للاركان. كان تقديره أنه لن تندلع حرب اثناء ولايته، وقام بتقليص القوات البرية والجوية من اجل تحويل الجيش الاسرائيلي الى جيش تكنولوجي ومتقدم. ولذلك “أدار نصف الظهر للعدو”. وعندما قلت له إن الحروب تندلع في الشرق الاوسط بدون نية من الطرفين، وأنه يقوم باضعاف الجيش الاسرائيلي دون أن يكون لديه سلاح متقدم، أجاب بأنه في هذه الحالة سيضطر الجيش الى الانتصار بثمن أكبر ومدة اطول، وأنه لا يوجد خيار آخر. يجب اتخاذ خيار معقول. وهذا سيسبب لك لجنة اغرينات ثانية. قلت له. فأجاب إن هذا صحيح، وانه سيقول للجنة “لا يمكن فعل كل شيء”. وفي الاسبوع الماضي سمعت في لقاء جرى في بيت البروفيسور يارون زليخة، من ضابط رفيع في الاستخبارات عن الاسهام الكبير لقرار باراك الخطير في ادارة الظهر للعدو وجعل الجيش الاسرائيلي أكثر حداثة وتكنولوجية.
نفس الاقوال تقال حول الانفاق. الخطأ في اعطاء الاولوية للانفاق هو واقعي رغم النتيجة المؤلمة. كان من المفروض أن يعرف شبيرا ذلك.
عملية خاطفة استمرت 18 سنة
الجرف الصامد ج: بينيت لم يتصرف حسب المعايير عندما تحدث مع ضباط متدينين من وراء ظهر يعلون وغانتس. وعاد من النقب مع فكرة أن قائد كتيبة جفعاتي، عوفر فنتر، يمكنه الوصول الى البحر. عندها كان باستطاعة الجيش الاسرائيلي القضاء على حكم حماس وتدمير الصواريخ. وماذا؟ حسب بينيت لم تكن اسرائيل ستعود لاحتلال غزة بشكل دائم. ولكن في الواقع كانت ستضطر للبقاء هناك، حيث أنه خلال ملاحقة الصواريخ كانت ستتم صدامات وكان الجنود سيقتلون. ايضا الى لبنان أ دخل الجيش الاسرائيلي في عملية سريعة استمرت 18 سنة.
افيغدور ليبرمان وعد بالقضاء على حماس خلال 48 ساعة. ونحن نأمل أن يكون قد أصبح بالغا. أما بينيت فلم يصبح بالغا بعد. احتلال غزة كان دائما خطأ. اسحق رابين واسحق حوفي ويشعياهو غفيش قاموا بتمرير فم وزير الدفاع موشيه ديان، واحتلوا القطاع في حرب الايام الستة. وكل ولد يفهم أنه من الافضل السلوك حسب نصيحة ديان وابقاء غزة في أيدي المصريين. ففي مصر ايضا عرفوا ذلك. لهذا لم يرغب أنور السادات في استعادة قطاع غزة بعد توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل في العام 1978.
إن احتلال غزة للحظة كان سيدوم لسنوات، وكانت العمليات ستتجدد والاحتكاك مع العالم سيزداد، وكنا سنشتاق خلال بضعة اشهر لصواريخ القسام.
غضب ليس في مكانه
بنيامين نتنياهو لم يخترع الجل عندما زعم أن التحقيق يسعى الى اسقاط حكومته. فقد سبقه رؤساء حكومات وسياسيون رفيعو المستوى. بدأ بذلك اريئيل شارون الذي دخل في غيبوبة لم يقم منها، واهود اولمرت الذي ما زال في سجن معسياهو، وقبله ابراهام هيرشزون الذي تحرر من السجن، وبنيامين بن اليعيزر الذي أنقذ بموته اموال الفساد التي ذهبت لورثته.
ليس هناك أحد خطط لاسقاطه. نتنياهو تذكر الاهتمام الذي منحه للتحقيق مع اولمرت، وليهدأ، لأنه مقارنة معه، اعضاء الكنيست من العمل وميرتس، قد غفوا اثناء الحراسة.
تحقيق الـ “ملف الألف” يخص صديقه ارنون ملتشن. شهادته في الشرطة ستضع علامة سؤال حول الصداقة. ولكن خصومه السياسيين ليسوا هناك.
ايضا “ملف ألفان” الذي يبدأ بالتحقيق مع رئيس مكتبه السابق آري هارو، لا يخص أحد من خصومه. وسيتبين في المستقبل كيف ومن كان يحمل الأداة التي سجلت المحادثتين مع ارنون موزيس. ولن نرى نشيط يساري قرب المكان.
يوجد تحقيق وهو يضع نتنياهو وموزيس في تساؤل اخلاقي. وفي المستقبل سنعرف اذا كان هناك عمل جنائي أم لا. وجميع الدموع والغضب والعرق هي الآن ليست في مكانها.
قام بواجبه باخلاص
لقد تصرف قائد الشرطة روني ألشيخ بالشكل المناسب عندما حذر المقربين من بنيامين نتنياهو بعدم استخدام التهديد والضغط على ضباط الشرطة المخلصين الذين يحققون مع رئيس الحكومة (الحديث لا يدور عن شخص واحد فقط، بل مجموعة صغيرة). هؤلاء الاشخاص، لم يكشف ألشيخ من الذي يشتبه فيه أو اذا كانوا خرجوا من صفوف الشباك والشرطة، وهم الآن محققون خاصين، حاولوا تهديد هؤلاء الضباط بنشر معلومات مهينة تم ارسالها بشكل متعمد الى أبناء عائلاتهم للتأثير عليهم في موضوع نتنياهو.
ألشيخ لم يكتف بذلك، بل قام بالاتصال مع أبناء العائلة، وواسى الزوجة والاولاد بأن والدهم يقوم بعمله باخلاص من اجل التوصل الى الحقيقة. لا يوجد كثير من مفتشي الشرطة الذين يتصرفون بهذا الشكل. الاعلان الدراماتيكي والاستثنائي في تاريخ الشرطة حقق هدفه. لقد تحفظ نتنياهو ممن يهددون المحققين، رغم أنه ظهر في اليوم التالي على منصة الكنيست وقدم ادعاءاته وكشف أمام من سيتم التحقيق معه أو أخذ شهادته، ما هو خط الدفاع المناسب له.
ادعى نتنياهو أنه لا يعرف عمن يدور الحديث. ألشيخ ايضا ملأ فمه بالماء حول هوية المهددين (هل هناك أحد على المهداف؟ في الوقت الذي يعتقد فيه ألشيخ ومندلبليت أنهما يعرفان من الذي قام بتسريب التسجيلات حول محادثات رئيس الحكومة وموزيس. وحول هوية المهددين لمحققي الشرطة، الجواب غامض).
الاشخاص الذين عملوا معه لسنوات طويلة لم يستغربوا. لقد قالوا إنه دائما يركز على الهدف. ولم يسأل ماذا ستكون المهمة التالية، وهل ستلقى على عاتقه، بل كيف سيصل الى النتيجة الافضل. هكذا ايضا في منصبه الحالي كمفتش للشرطة. هو نفسه قال مازحا اكثر من مرة إنه لا يمكن الضغط عليه. فلا يوجد مكان أسمى له في الشرطة.
توجه غير ديمقراطي
الديمقراطية الاسرائيلية في خطر. اقتراحات القانون التي تطرح في الائتلاف الحالي تقلص الحريات وتزيد سلطة القانون. الامر الذي بدأ كصراع ضد المنظمات التي تضعف مكانة اسرائيل في العالم، وصل الى البيت. التحذيرات تتحقق بشكل سريع، أكثر مما توقعه المتشائمون.
الائتلاف بادر الى قانون ضد من يؤيدون المقاطعة الدولية، وطلب كبح “نحطم الصمت”، وقريبا ستتم اقالة عضو الكنيست باسل غطاس الذي اتهم بمخالفات أمنية خطيرة. وها هو التوجه غير الديمقراطي يميز سلوك الحكومة.
حسب دافيد أمسلم من الليكود، لا يجب التحقيق مع رئيس الحكومة بتهمة الرشوة والخداع وعدم الثقة. وحسب اغلبية وزراء الحكومة يجب السماح لهم بتعيين اعضاء المركز في احزابهم، الذين يسيطرون على الانتخابات التمهيدية في المناصب والوظائف الرفيعة. والسماح للسياسيين بالتحقيق مع المرشحين، وكذلك قلب محكمة العدل العليا على رأسها، وأن يكون فيها فقط اشخاص تابعين لاحزابهم. والآن اقتراح تحويل المستشارين القانونيين ليس الى محللين للقانون، بل الى أبواق للسياسيين، بما في ذلك المستشار القانوني للحكومة.
عضو الكنيست امير اوحانا، وصل على التو الى الكنيست وهو يعمل من اجل تقييد المستشارين القانونيين، وتمهيد الطريق أمام الرشوة والفساد باسم النجاعة. هذا هو الواقي لمن يخالفون القانون من اصحاب الياقات البيضاء واعضاء مركز الحزب.
الدكتور افيحاي مندلبليت رفض المبادرة. وحاول أن يقول لاولئك الذين يعارضون سلطة القانون إن المستشارين القانونيين يساعدون الحكومة على التصرف في اطار القانون ومنع التمييز ضد المواطنين وتشويه السلطة. هذا جيد، لكن الآذان لا تسمع لأن السياسيين يريدون رغد السلطة وراحتهم بأي ثمن. واذا كان الامر هكذا، فالى متى سنتفاخر قائلين “نحن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط”؟.
اسرائيل اليوم