هل يتمّ تطبيق وثيقة أستانة؟ حميدي العبدالله
الإنجاز الوحيد الملموس الذي تمخّض عنه لقاء أستانة ينحصر في تأليف اللجنة الثلاثية لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار والسهر على تنفيذ ما جاء في وثيقة أستانة و«إعلان موسكو». تكمن قيمة هذا الإنجاز في تكريس الدول الثلاث التي وقعت على إعلان موسكو كمرجعية ضامنة لتنفيذ بنود وثيقة أستانة، وبهذا المعنى يصبح لاغياً إعلان رئيس وفد الجماعات المسلحة تحفظه على مشاركة إيران في لجنة الإشراف على التنفيذ، كما أصبح لاغياً، بناء على ما جاء في الوثيقة، المطالبة التركية التي عبّر عنها وزير خارجية تركيا بعد الاتفاق على «إعلان موسكو» بسحب قوات حزب الله من سورية. ما عدا ذلك فإنّ جميع ما ورد في وثيقة أستانة يعدّ تكراراً لما جاء في «إعلان موسكو» وبيانات دولية سابقة، أو اتفاق وقف العمليات العسكرية الذي تمّ التوصل إليه بين روسيا وتركيا.
بمعنى آخر وعد في تثبيت وقف إطلاق النار، ووعد ثانٍ بفصل مواقع الجماعات المصنّفة إرهابية عن مواقع الجماعات التي توافق على وقف إطلاق النار، ووعد ثالث بمحاربة الدول الثلاث الجماعات الإرهابية.
الوعود الثلاث تضمّنتها تفاهمات روسيا والولايات المتحدة في اتفاق 28 شباط 2016 لوقف إطلاق النار، وفي اتفاق 9 أيلول 2016، ولكنها جميعها ظلت حبراً على ورق.
لا شك أنّ لدى كلّ من روسيا وإيران نية صادقة في إنجاز الوعود الثلاث، لأنّ هاتين الدولتين شريكتان للدولة السورية في محاربة الإرهاب ولكن المشكلة تكمن في تركيا. تركيا من بين الدول التي استمرّت في الإرهاب، وغالبية الفصائل المسلحة، بما فيها الجهات المصنّفة إرهابية مثل داعش والنصرة حصلت على أشكال محدّدة من الدعم التركي، إضافة إلى ذلك فإنّ تركيا جزء لا يتجزأ من التحالف الدولي والإقليمي الذي نظم وقاد الحرب على سورية، فهل تستطيع تركيا التمرّد على شركائها، والتخلي عن الاستثمار في الإرهاب؟
لا شك أنّ نجاح أو فشل الدول الثلاث الضامنة للاتفاق مرتبط بموقف تركيا، لا سيما أنّ رئيس وفد الجماعات المسلحة التي شاركت في لقاء أستانة أعلن تحفظه مسبقاً على مشاركة إيران، علماً أنّ دور إيران في الأحداث الجارية في سورية لا يقارن مع دور تركيا، وإذا كان من مشاركة عسكرية إيرانية إلى جانب الجيش السوري في مكافحة الإرهاب، فهي محدودة وعلى مستوى المستشارين ولا تقارن بحجم التدخل التركي، فضلاً عن أنّ دور إيران جاء بطلب من الحكومة السورية التي تمثل الشرعية بينما الدور التركي شكل انتهاكاً فظاً لسيادة الدولة السورية، وكانت بوابته دعم الجماعات الإرهابية.
(البناء)