كتاب مفتوح للمهتمّين بقانون انتخاب جديد
ناصر قنديل
– كان الأمر يتوقف على أن يضرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيده على طاولة مجلس الوزراء لينتبه المعنيون أن فزاعة الفراغ لفرض الاختيار بين التمديد وقانون الستين قد سقطت. وهذا ما نادت به هذه الزاوية في مقال سابق بعنوان «الفيتو الميثاقي معكوساً لفرض قانون جديد للانتخابات النيابية» في عدد 18 -1-2017 والفقرة الأخيرة تقول القضية قضية كثيرين، لكن بقدر ما ينهض لملاقاتها التيار الوطني الحر باعتبارها قضيته، فلدى الجميع فرصة القول في حال الفشل إنّ الذي فشل هو الرئيس والتيار، وإنّ ثمة فرصة ثانية مع سواهما، بينما لا يملك الرئيس والتيار التحدث عن فرصة ثانية إذا سلّما واستسلما للفشل هذه المرة. والحديث عن ثورة وعصيان في مكانه بقدر ما يُقصد به بلوغ لحظة الاختيار بين الستين والتمديد فيكون الجواب بـ«لا» كبيرة لكليهما. ولدى السؤال: هل ترضون الفراغ بديلاً يكون الجواب ولمَ لا، سيكون أفضل من كلّ منهما ومن كليهما، فليبقَ لبنان بلا مجلس نيابي، ولديه رئيس جمهورية وحكومة يتمثل فيها الجميع، يسيّران أمور الدولة حتى تنضج طبخة قانون جديد للانتخابات، تقرّه الحكومة وتدعو اللبنانيين لتشكيل مجلسهم الجديد على أساسه، وليعتبرها مَن يشاء دعوة لحلّ المجلس النيابي واعتبار الحكومة بمثابة مؤتمر تأسيسي. أليست هذه هي الثورة الشعبية وما عداها هو تمهيد للاستسلام للفيتو «الميثاقي»؟ .
– فعلها رئيس الجمهورية وفاجأهم جميعاً، وقال ما كانوا يتوقعونه مستحيل القول، وصار قانون جديد للانتخاب على الطاولة مجدداً وبقوة. قال ميشال عون الذي يعرفون أنه لا يقول جزافاً، إن خيّرتموني بين الستين والفراغ فسأختار الفراغ، وانتهى القول، وبدأ الجِدّ. والجِدّ هنا لم يعد بحثاً ترقيعياً في مشروع جديد هو مجرد قديم مرمّم أو جرى تجميله. فالمطلوب جديد تغييري وإصلاحي ويضمن صحة التمثيل، وكلمة السر فيه هي النسبية كما يعلم الجميع، والمبدأ الأول للنسبية أنها تكون كاملة في مجلس مستقل أو لا تكون، فالمختلط في المجلس الواحد يفتح مجال الاستنساب لتوزيع المقاعد بين الأكثري والنسبي في دوائر المراضاة والمجاملة، وتوزيع الحصص، فتضيع معه العدالة وصحة التمثيل، والتأهيل الأكثري مع الانتخاب النسبي، هو امتحان طائفي لاختيار من يخوضون المسابقة على مستوى الوطن من بين صفوف الطائفيين. فالقانون الجديد مهما كان عظيماً لن يولد قوى جديدة، بل سيفتح الطريق لتستنهض قوى جديدة حضورها عبره، في دورة ثانية وثالثة ورابعة، ونتائج الدورة الأولى لأي قانون جديد لن تختلف عموماً عن بعضها مهما كان القانون مختلفاً، والتأهيل على مستوى نظام أكثري يعني حصر المنافسة في التمثيل النسبي بأحد ثلاثة، مَن تدعمهم التكتلات الكبرى القائمة أو مَن لديه المال أو مَن يملك قدرة تحريك العصبية الطائفية، فيُطحَن دعاة التغيير في التأهيل قبل أن يحلم أي منهم ببلوغ سباق النسبية.
– قانون جديد يعتمد النسبية الكاملة له طريق واحد، تحرير الانتخابات من القيد الطائفي. وهذا يعني الجمع بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وفقاً لنص المادة 22 من الدستور، ولكن وفقاً لخريطة طريق تتيح قبول ورضا الخائفين وأصحاب الهواجس الذين يجب الحصول على موافقتهم، لأن قانون الانتخاب ليس عقاباً لأحد ومكافأة لأحد. ولأن أول المعترضين على النسبية هو النائب وليد جنبلاط، يتم تثبيت رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة الدرزية ومنصب نائب الرئيس للطائفة الكاثوليكية، تبديداً للهواجس، وندخل التدرج بروح التراضي بحثاً عن مرحلية تتيح التدرب والتعود والتقبل بهدوء للمولود الجديد، فيكون النص الدستوري للمادة 22 بصيغتها الجديدة، تحديداً لقيام السلطة التشريعية على مجلسين مجموعهما 160 عضواً، أحدهما وفقاً للقيد الطائفي ويعتمد في تكوينه النظام الأكثري والدوائر الصغرى والثاني من خارج القيد الطائفي وينتخب وفقاً للنظام النسبي وعلى أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، لكن توزيع العدد والصلاحيات بين المجلسين هو الذي سيحكمه التدرج بما يريح ويطمئن، ويبدد الهواجس، فلا مانع أن يكون العدد الإجمالي للـ160 عضواً في المجلسين موزعاً من 32 منتخبين على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة ويتشكل منهم مرحلياً مجلس الشيوخ المحدود الصلاحيات باستثناء انضمامهم في جلسات المناقشة العامة والتصويت على الثقة وإقرار الموازنة العامة وانتخاب رئيس الجمهورية، لمجلس النواب المكوّن من 128 نائباً منتخباً على أساس الدائرة الصغرى والنظام الأكثري وفق القيد الطائفي ولديهم صلاحيات التشريع والرقابة ذاتها، ليتغير العدد في الدورة الثانية وتبقى الصلاحيات على هذا النحو، فيصير مجلس الشيوخ اللاطائفي 64 ومجلس النواب 96 وصولاً لدورة ثالثة ينقلب فيها العدد والصلاحيات ويستقران على 64 شيخاً منتخباً وفقاً للنظام الأكثري والقيد الطائفي والدوائر الصغرى يتولون النظر في القضايا التي تمس العيش المشترك وميثاقه وتطال ما تتضمنه مقدمة الدستور من ثوابت إضافة لمشاركتهم المجلس النيابي المكوّن من 96 نائباً منتخباً خارج القيد الطائفي على النظام النسبي ولبنان دائرة واحدة، في جلسات المناقشة العامة ومنح الثقة وإقرار الموازنة العامة وانتخاب رئيس الجمهورية.
– هذه خريطة طريق لعشر سنوات مقبلة، تضمن بلوغ تحقيق النص الذي أراده اتفاق الطائف من المجلسين، الذي يشكل الجوهر الإصلاحي لاتفاق الطائف، وفي الحلقة الأولى حجم القلق يعادل الصفر، فالعدد هو فقط 32 عضواً منتخباً على أساس النظام النسبي وفق لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي لمجلس شيوخ صلاحياته محدودة باستثناء أنه سيشكل فقط الخمس 20 من إجمالي المجلسين في حال التصويت، ونسبة الفوارق المخالفة لتوقعات القوى لأحجامها لن تزيد فيه عن الـ1 ، خصوصاً بالنسبة للأطراف الخائفة، والمجلس النيابي مرحلياً باقٍ من 128 نائباً منتخباً وفق النظام الأكثري والدائرة الصغرى والقيد الطائفي، وبجواره مجلس من 32 منتخباً خارج القيد الطائفي وفق نظام النسبية ولبنان دائرة واحدة، للتدرّب والتعوّد واكتساب الخبرة واختبار المخاطر واكتشاف كيفية التعامل مع الصيغة الإصلاحية الجديدة المتدرجة لمرحلة ثانية بعد أربع سنوات وثالثة بعد أربع أخرى، البداية متواضعة والنهاية واعدة والمهل اللازمة للتأقلم متاحة، وما هو مطلوب إصلاحياً يكون قد كتب، ولكن بلغة واقعية لا تشوّه الإصلاح وتقتله بداعي البحث عن حلول بالتراضي المستحيل بين الصيغتين القديمة والجديدة، بل عن مواءمة خطط القوى القديمة بهدوء وسلاسة مع القانون الجديد، وتحمّل جرعات التغيير التي سيحملها بتدريج تحتاجه أصلاً القوى الجديدة التي لن تكون جاهزة لتمرين الاختبار إلا في دورة ثانية وثالثة.
– إيجاد المجلسين بصيغة نقية لكلّ منهما تشبهه، هو الإصلاح، والتدرّج في توزيع العدد والصلاحيات بينهما هو الواقعية… مع أمل أن يحظى ما كُتب بالاهتمام.
(البناء)