بقلم غالب قنديل

فرصة حقيقية للتغيير

غالب قنديل

الموقف النوعي الذي اتخذه رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء حول قانون الانتخاب كسر فزاعة الفراغ ووسع من فرص سن قانون جديد للانتخاب وقد انطلق الرئيس عون من استنتاج صارخ وقوي في وجه المتمسكين بإعادة إنتاج الصيغة القائمة عندما اعتبر الفراغ خيارا أفضل من الستين والواقع أن الفراغ إن حصل يجب ان تحمل مسؤوليته جهارا الأطراف التي عرقلت مسار الإصلاح الانتخابي وقد أراد رئيس الجمهورية أن يرفع التحدي في وجه سائر القوى السياسية ليجبر الجميع على التصرف بجدية في السعي إلى التفاهم على قانون جديد بدلا من الرهان على لي ذراع الرئيس عون وجميع المطالبين بقانون جديد تحت شعار حشرة المهل الدستورية بينما الجهات المتذرعة بهذا المنطق هي التي منعت التوصل إلى قانون جديد طيلة ثماني سنوات من النقاش في المجلس النيابي وداخل اللجان المتعاقبة التي شكلت لهذه الغاية.

الرئيس نبيه بري من جانبه يصدر تحذيرات متلاحقة حول النتائج الخطيرة التي سيولدها الإبقاء على قانون الانتخاب الساري او القيام بعمليات تجميلية لنصوصه لن تبدل شيئا من تحجر الواقع السياسي وما يبنى عليه تمثيليا في تكوين السلطة التشريعية وقد بلغت تحذيرات رئيس المجلس حد النذير بخطر انفجار كبير.

الأكيد ان النظام السياسي القائم منذ اتفاق الطائف يثبت عجزه عن الاستمرار والتقدم وهو ضاعف مفاعيل العصبيات الطائفية والمذهبية وانتشارها وتزايدت كذلك علله الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وبلغت درجات عالية من الاستعصاء والتفسخ وهذا حال لبنان مع دورات متلاحقة للتأزم انفجر بعضها عنفيا وكان كارثيا منذ عام 1943 بسبب الإبقاء القسري على صيغ التمثيل الطائفي والنظام الانتخابي الأكثري ومعاندة المطالب الإصلاحية المتواضعة وإيصاد أبواب المؤسسات في وجه الشباب والنساء والقوى التغييرية العابرة للطوائف وهذا ما جددته صيغة الطائف مع تطوير نظري لفرصة التجاوز التي كانت في الممارسة وعدا مؤجلا لعقود فأعطيت الطائفية ونظامها الانتخابي الأكثري صفة المؤقت على حساب الإصلاح المعلق .

القاعدة التي يجمع عليها الخبراء في علوم الاجتماع والقانون الدستوري هي ان النسبية تؤمن الفرص الأفضل لاحتواء التوترات والتناقضات داخل المؤسسات التمثيلية وتمنع انعكاسها في صراعات اجتماعية وسياسية قد تنتقل إلى الساحات والشوارع وتنذر بتوترات واضطرابات تهدد استقرار المجتمعات فحين يحفظ حق سائر الجماعات والاتجاهات السياسية وبغض النظر عن أحجامها بأن تتمثل وفقا لما تحوزه من تأييد شعبي تتحول المباراة البرلمانية الدائمة بين الأفكار والبرامج والمشاريع إلى نقاشات هادفة وهادئة وبناءة داخل المؤسسات التمثيلية وهذا ما دفع النسبية للتقدم بصورة باتت معها معتمدة في غالبية النظم الانتخابية في العالم .

اقترح اتفاق الطائف صيغة نظام المجلسين لاحتواء الهواجس التي يتحدث بها اليوم خصوم النسبية ومحلها مجلس للشيوخ يمكن ان ينتخب على القاعدة الطائفية وفي دوائر فردية إلى جانب مجلس نيابي ينتخب في دائرة واحدة من خارج القيد الطائفي وعلى الأساس النسبي وقد لحظ الطائف الحاجة إلى التدرج في هذا الاتجاه ولابأس ان يبقى بداية على التمثيل الطائفي مع النسبية والدوائر الموسعة بشرط ان تشكل الهيئة العليا لتجاوز الطائفية لتحيل إلى اول مجلس نيابي جديد خطتها الانتقالية وجدولها الزمني فتأجيل انطلاق السير إلى الدولة المدنية الحديثة امر غير جائز ورئيس الجمهورية هو من أصحاب هذا المشروع والمبشرين به من زمن بعيد.

اليوم تكتمل عناصر الفرصة المتاحة بموقف رئيسي الجمهورية والمجلس والقوى السياسية العديدة الداعمة للإصلاح الانتخابي والمطالبة بمبادرات ضاغطة في جميع الاتجاهات لبلورة توازن قوى سياسي يلاقي الموقف الجريء لرئيس الجمهورية الذي وضع القوى المكونة للسلطة امام تحدي مباشرة النقاش العملي في سبيل التوصل إلى قانون جديد والتحرك الشعبي يخرج النقاش من الكواليس ويحيط به لمنع الانقلاب على امل التغيير مجددا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى