أمن الشخصيات فوق كل اعتبار رضوان مرتضى
عندما قُتِل الشرطي محمد العرب، قبل نحو شهرين، عند حاجز في منطقة الشويفات حيث كان يخدم، سارعت قوى الأمن الداخلي إلى لملمة «الفضيحة» بتعزيز عديد حواجزها الثابتة. صدر تعميم بمنع إيكال مهمة الحاجز إلى عنصر واحد. لم تجد المؤسسة الأمنيّة «عذراً» يومها إلا معزوفة «نقص العديد». لكن هذه الحجّة، الدائمة، تسقط أمام «ملف» مئات العناصر المفروزين لحماية الشخصيّات، وتحديداً التي، بحسب القانون، لا تستحق ذلك. وفي وثيقة حصلت عليها «الأخبار»، يتبيّن أن 1020عنصراً و١٥ ضابطاً من قوى الأمن مع ٨٠ آلية متفرغون لمرافقة ٧٤ شخصية فقط، فيما فصائل قوى الأمن في بعض المناطق لا تضم أكثر من عشرة عناصر لحماية عشرات الآلاف من السكان
74 شخصية فقط تستأثر بأكثر من ألف عنصر وضابط من عديد قوى الأمن الداخلي فقط، بحسب ما يشير جدول حصلت عليه «الأخبار» لتوزّع عناصر وضباط قوى الأمن الداخلي الموضوعين في تصرّف شخصيات سياسية ودينية وقضائية ومديرين عامين سابقين وضباط متقاعدين، فضلاً عن مئات العناصر الآخرين المفروزين الى جهاز أمن الدولة لحماية بعض هذه الشخصيات أيضاً.
هذا العدد يكفي لتشغيل 100 مخفر أو عشرين فصيلة أمنية على الأقل. والأدهى أنّ 14 شخصية فقط من أصل الـ74 تستأثر بـ615 عنصراً وضابطاً تحت مبرّر «الضرورات الأمنية». وهي «ضرورات» لا معيار واضحاً لها، بل تتحكّم في تحديدها العلاقات الشخصية. وتتكلف الدولة أكثر من 40 مليون دولار سنوياً على هؤلاء العناصر الذين يتحوّلون الى سائقين خصوصيين لدى «أرباب عملهم» الجدد وزوجاتهم وأولادهم.
قبل أسابيع، أثار وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي خفض عدد مرافقيه من ٦٩ عسكرياً الى 20، من دون أن يرف جفن المدير العام السابق لقوى الأمن الى احتمال أن يسأل أحد بأي حق يمكن ريفي أن يحتفظ بهذا «الجيش» من المرافقين، فيما لا يحرس وزير الداخلية السابق بشارة مرهج، مثلاً، أي عنصر أمني!
كيف يقرّر مجلس الأمن المركزي «الضرورات الأمنية» لتعزيز الإجراءات الأمنية حول هذه الشخصية أو تلك؟ وما هي المعايير التي يعتمدها؟ وهل يستند الى تقرير لفرع المعلومات أم استخبارات الجيش أم الأمن العام، أم الأجهزة الثلاثة مجتمعة؟
في الواقع ان هذه المعايير، إن وجدت، يشوبها كثير من الغموض والوساطات والمحسوبيات. فأي معيار يعتمد لفرز ضابط و43 عنصراً لحماية الرئيس الأسبق أمين الجميّل، و١٦ عنصراً لخدمة الرئيس السابق ميشال سليمان الذي منحه القانون عشرة عناصر، فيما لا يُخصص مثلها لحماية الرئيس الأسبق إميل لحّود؟ وإذا كان القانون يعطي أي رئيس حكومة سابق الحق في الحصول على ثمانية عناصر حماية، كيف يُفسّر فرز ٦٢ عنصراً وأربع آليات لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهو يفوق العديد المفصول لمخافر ضاحية بيروت الجنوبية، فيما تضمّ فصيلة برج البراجنة، مثلاً، تسعة عناصر مسؤولين عن أكثر من مئة ألف نسمة؟ ولماذا يحتاج رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي إلى ٦٢ عنصراً أيضاً، فيما يكتفي نظيره السابق تمام سلام بالعدد المحدد قانوناً بـ٨؟ ومن يقرر أنّ النائب بطرس حرب في دائرة الاستهداف أكثر، مثلاً، من أي من نواب حزب الله حتى يُفرَز له 19 عنصراً؟ ولماذا يُفرز 3 ضباط و15 عنصراً لوزير الداخلية السابق مروان شربل الذي لم يخلف بعد تركه منصبه أي عداوات لاعتماده السياسة الناعمة والأمن بالتراضي ومفاوضة أحمد الأسير حتى انقطاع النفس؟ وهل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو النائب العام التمييزي السابق سعيد ميرزا اللذان خُصّص كلّ منهما بعنصري حماية أقل تعرّضاً للخطر من النائب أحمد فتفت الذي يحرسه 9 عناصر؟ وهل يُعقل أن يبلغ عديد المجموعة الأمنية الخاصة في معراب ثلاثة ضباط و97 عنصراً يُكبّدون خزينة الدولة أكثر من مليون دولار سنوياً بدل رواتب كرمى لعيون «الحكيم»، تُدفَع من جيب المواطنين لتُوفّر عن جيب سمير جعجع تكاليف الحراسة والكناسة والوجاهة؟ هذا من دون احتساب العناصر الـ١٣ المكلّفين بالسهر على حماية منزلي النائبين ستريدا جعجع وأنطوان زهرا، فيما لا يغلب «معراب» إلا «بيت الوسط» الذي فُصل لحماية سيّده ١٢٠ عنصراً من قوى الأمن وحدها قبل اختياره رئيساً لحكومة لبنان.
وللقضاة حصتهم أيضاً من «أبهة» المرافقين العسكريين. ولقضاة المحكمة الدولية حكاية أخرى، إذ خُصّص هؤلاء بأربعة ضباط و١٣٩ عنصراً و٢١ آلية للسهر على أمنهم. ورغم أنّ هناك جهازاً كاملاً اسمه «جهاز أمن السفارات»، مهمته، كما يشير اسمه، حماية السفارات، إلا أنّ «كرم» الضيافة اللبنانية دفع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الى تخصيص سفيري السعودية ومصر بـ١٣ عنصراً إضافياً وآليتين.
والى هؤلاء الـ1035 ضابطاً وعنصراً من قوى الأمن، هناك أيضاً نحو ألف عنصر مفصولين لخدمة هذه الشخصيات من جهاز أمن الدولة الذي تدخل مرافقة الشخصيات وحمايتها في صُلب مهماته، إضافة الى ١٣٢٠ عنصراً من الجهاز نفسه موضوعين بتصرف شخصيات مختلفة، ليتجاوز عديد جيش المرافقين الـ ٣٣٠٠ عسكري، ممن باتوا يتقنون فنون الطبخ واصطحاب الأطفال الى المدارس والزوجات الى محال «الكوافير»!
فصائل ومخافر فارغة
هناك فصائل عدة لقوى الأمن الداخلي لا يتجاوز عديد عناصرها العشرة، فيما يتجاوز عدد القاطنين في نطاقها الجغرافي عشرات الآلاف. فصيلة برج البراجنة، مثلاً، تضم تسعة عناصر مسؤولين عن أكثر من مئة ألف نسمة. والأمر نفسه ينطبق على فصيلة الشويفات التي لا يتجاوز عديدها العشرين عنصراً وتغطي نطاقاً جغرافياً يتجاوز مساحة بيروت، ويقطنه نحو 600 ألف نسمة. أما فصائل الميناء والتل والقبة والسويقة وأبي سمراء في الشمال مجتمعة، فلا يتخطى عديدها الـ60 عسكرياً، وهي مسؤولة عن نحو نصف مليون نسمة يقطنون فيها. وهناك مخافر لا يتجاوز عديد عناصرها الستة، فيما يشمل نطاقها الجغرافي أربع أو خمس بلدات يتجاوز عدد قاطنيها الآلاف. مخفر بعلبك، لا يتجاوز عدد عناصره الـ20 في أحسن الأحوال، ويفترض أنه يوفر الأمن لـ120 ألف نسمة. ومخفر الهرمل يضم سبعة عناصر مسؤولين عن أكثر من 50 ألف نسمة. فيما عدد الحراس في سجن رومية المركزي يبلغ 400 عسكري تناط بهم مسؤولية 4000 سجين، علماً أن القانون ينص على أن يكون مقابل كل سجين عسكريان اثنان.
(الاخبار)