اردوغان بدأ بالخطوة الاخيرة في الطريق الى النظام السلطوي: تسفي برئيل
بسرعة استثنائية صادق البرلمان التركي على التعديلات التي ستنهي الديمقراطية البرلمانية في تركيا. في المرحلة الاولى يجب أن تمر التعديلات على الدستور بأغلبية 330 عضو في البرلمان من أصل 550 عضو. ويمكن أن يتم ادخال تعديلات طفيفة على مسودة الصيغة التي سيتم تقديمها للرئيس طيب رجب اردوغان للمصادقة عليها. وبعد ذلك يتم عرض التعديلات للمصادقة عليها في استفتاء شعبي، في شهر آذار، كما يبدو.
لقد أوضح اردوغان أنه اذا لم تتم المصادقة على التعديلات، فسيعلن عن تبكير موعد الانتخابات، التي يتوقع أن يفوز بها بأغلبية، الامر الذي سيسمح له بالمصادقة على التعديلات دون الحاجة الى الاستفتاء. وهكذا بعد 14 سنة متواصلة كان فيها رئيسا للحكومة ورئيسا للدولة، سيحقق اردوغان حلمه بأن يتحول الى رئيس قادر على كل شيء.
يخطط اردوغان في اعقاب الانقلاب الدستوري، لأن تكف تركيا عن كونها ديمقراطية برلمانية، يسود فيها نظام رئاسي يمنح الرئيس القوة في قيادة الدولة وليس فقط في تمثيلها. وتقضي التعديلات بأن منصب رئيس الحكومة سيتم الغاءه، وأن بعض الوزراء سيتم استبدالهم بنواب الرئيس، وأن اردوغان يستطيع الاعلان عن حالة الطواريء، وأن التساؤلات وتصويت حجب الثقة سيتم الغاءها، وأنه يمكن، نظريا على الأقل، اقالة الرئيس: من اجل ذلك مطلوب 400 عضو في البرلمان كي يوقعوا على طلب الاقالة قبل أن يتم عرضه على المحكمة الدستورية التي يقوم الرئيس بتعيين اغلبية اعضائها.
يستطيع اردوغان أن يكون ايضا رئيسا للحزب، اضافة لكونه رئيسا. وهكذا يسيطر على اعضاء البرلمان التابعين لحزبه، ويحدد أولويات التشريع، هذا دون الحديث عن صلاحيته لاستخدام الفيتو ضد القوانين. وعند الحاجة، يستطيع الرئيس حل البرلمان. وبهذا يقوم باستكمال عملية تشويش الحدود بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وبينها وبين السلطة القضائية. تعيين القضاة هو من صلاحية المجلس الاعلى للقضاة والمدعين العامين. وهو هيئة فيها 12 عضو، نصفهم يقوم الرئيس بتعيينهم، والنصف الآخر يعينه البرلمان الذي فيه أصلا اغلبية من مؤيدي اردوغان. “لا يمكن انتقاد قرارات الشعب الذي انتخب الرئيس، لذلك لا مجال لانتقاد الرئيس″، قال المتحدث بلسان اردوغان حول الصلاحيات التي سيمنحها الدستور الجديد لاردوغان. “رغبة الشعب” اصبحت من الآن المبرر لأي سلوك.
صحيح أن اردوغان يسيطر فعليا كرئيس ناجع، حسب النموذج الامريكي. ولكن بدون التوازن والكوابح الموجودة في الولايات المتحدة، ومن خلال الدستور التركي الجديد سيتمتع الرئيس ليس فقط من الصلاحيات الواسعة، بل من الرقابة الضعيفة، ومن السيطرة على الاجهزة التي يفترض أن تكبح الرئيس أو تجبره على تقديم الحساب حول افعاله.
اردوغان ينشيء لنفسه اطار دستوري يسمح له سن أي قانون يرغب فيه، وانتهاج السياسة التي يرغب فيها وتقديمها على أنها قانونية. مثلا يستطيع اقتراح تشريع يتجاوز الدستور – الذي يقضي بأن تركيا هي دولة علمانية – دون الحاجة الى تغيير الدستور نفسه. وزير التعليم في تركيا، إسمت يلماز، بشر الأمة بأنه في السنة القادمة لن يتم تعليم نظرية التطور لداروين “لأنها مجرد نظرية مثل نظرية الانفجار الكبير التي يجب تعلمها خارج المدرسة”.
ايضا إرث أتاتورك الذي أسس الجمهورية التركية الجديدة، التي تشمل مبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، ينوي الوزير تقليصه. ولكن يبدو أن هناك أمور في إرث اتاتورك يريد اردوغان الحفاظ عليها. إن تركيا هي دولة الحزب الواحد مثلما كانت في عهد اتاتورك الذي منع اقامة احزاب منافسة لحزب الشعب.
صحيح أنه توجد عشرات الاحزاب الرسمية، لكن في المستنقع السياسي الذي انشأه اردوغان اثناء فترة حكمه، يبدو أن الاحزاب الكثيرة توجد من اجل الزينة فقط. فبعد قيام اردوغان بكم أفواه وسائل الاعلام، وطرد الجيش من السياسة – لن يبقى في تركيا برلمان يمكنه وقف السير نحو النظام السلطوي، حسب النموذج القائم في بعض الدول العربية.
لكن مع وجود الصلاحيات الكثيرة، تكون المسؤولية. فبعد أن قام باضعاف البرلمان ووسائل الاعلام والمؤسسات الديمقراطية، لن يتمكن اردوغان من تقاسم المسؤولية مع البرلمان، أو القاء اللوم على خصومه السياسيين. ازمة اقتصادية أو هزيمة عسكرية أو خسائر في الساحة الدولية، ستكون منذ الآن مسؤوليته الوحيدة. وستكون تلك الصلاحيات منذ الآن لأي جديد سيتم انتخابه. وهذا يعني أنه اذا انتخب في المستقبل رئيس لا يحظى بأغلبية برلمانية كبيرة، مثل الموجودة لاردوغان الآن، فهو سيكون مشلول. ومن هنا فان الطريق الى الفوضى قصيرة.
لكن هذا المستقبل لا يقلق اردوغان أو البرلمان لأنهما يحظيا بتأييد الجمهور، لا سيما في ظل عدم وجود خصم سياسي يشكل تحديا. محاولة الانقلاب الفاشلة تم استغلالها بشكل جيد وبدون رأفة ضد معارضي اردوغان، بغض النظر اذا كانوا قد شاركوا في الانقلاب أم لا.
هآرتس