أستانة مأزق مَن؟ وأوراق مَن؟
ناصر قنديل
– رتّب الأتراك أوراقهم قبل الذهاب إلى أستانة على قاعدة بيانات سياسية جاهزة للقبول بالإعلان عن الاستعداد للمشاركة مع روسيا وإيران في الحرب على الإرهاب، بما فيه جبهة النصرة، والتراضي مع إيران على حصر الرعاية للتفاهمات بروسيا كوسيط مقبول من الجميع، بعدما تبلغت رفض سورية لأنقرة وسيطاً وأبلغت رفض المسلحين لإيران وسيطاً. وتركت أنقرة السقف السياسي للتسوية السورية لمرحلة المحادثات السياسية التي يفترض أن يؤسس لها أستانة ويتركها لمرحلة مقبلة، ويهتم بتثبيت وقف إطلاق النار، فجهز الأتراك مشروعاً لأستانة عنوانه ضمانات وقف النار والعقوبات على مَن يخرقه والآليات للتحقق من الالتزام به.
– بالمقابل رتبت سورية أوراقها على قاعدة أنها وحليفها الروسي في خندق واحد وهدف واحد، وطالما أن موسكو تعتبر الفرصة المتاحة لانتقال تركيا من موقع إلى موقع في ضوء انتصارات حلب وتغير موازين القوى الدولية والإقليمية بسقوط الرهان على فوز هيلاري كلينتون لمواصلة الحرب في سورية بدعم أميركي وتضعضع الموقع السعودي في المنطقة، فلا مانع لدى سورية من اختبار الفرصة. وطالما أن الفرصة تطال الجماعات المسلحة التي تعمل تحت العباءة التركية وتموضعها خارج التنسيق مع جبهة النصرة فلا مانع أيضاً من وضع اختبار لهذه الجماعات يعادل مكانتها في العملية. فجاءت الأوراق السورية مرتبة بما يخدم تحقيق الاختبار ويمنح موسكو فرصة التقييم والتحرك بضوء ردود الأفعال وكيفية التفاعل مع الاختبارات.
– إيران وحزب الله قوى داعمة للحركة السورية الهادفة لوضع إعلان النيات التركي أمام آلة كشف الكذب، ومثلها وضع التزامات تركيا بالنيابة عن جماعاتها أمام هذه الجماعات بلغة أشد وضوحاً تزيل عنها الضباب، والأوراق السورية مرتبة بطريقة تقول، تعالوا لا نعبث بالمصطلحات، فإذا كان البعض يرى أن الجلوس على طاولة تفاوض يستدعي تغيير الصفات للقول بأننا لم نقبل بالجلوس مع محتل وإرهابي فسنقلب المعادلة ونقول، نعم نحن نجلس مع محتلّ فهو يبقى محتلا حتى تنتفي عنه هذه الصفة ونحن نجلس معه لاختبار صدق نياته بأن يتغير، فسنصفه كقوة احتلال، كما سنقول للإرهابي أنت إرهابي ونجلس معه لتبين صدقية ما قيل عن نيته بالتغير، فالتركي محتلّ والفصائل المشاركة إرهابية حتى يثبت العكس، ومن هنا نبدأ.
– في باطن الأوراق ترحيب بكل استعداد للحسم مع جبهة النصرة والتموضع على خط تصنيفها إرهاباً، لكن فتح قوسين كبيرين يبقى بينهما فارغاً على تركيا والفصائل المشاركة ملؤه بالتفاصيل، جواباً على سؤال عنوانه بالأحمر العريض ما هي إجراءاتكم لترجمة هذا التصنيف؟ ويُرجى الفصل بين الجواب التركي وجواب المسلحين. بكل بساطة يطرح السفير بشار الجعفري السؤال ويقول أعطونا الأجوبة خطياً في جلسة الغد، وعندما يعودون بارتباك، كما تقول أوراقهم، للحديث عن أولوية تثبيت وقف النار، رتبت سورية أوراقها على الإطالة في شرح أهمية وقف النار، وترحيبها بآليات لتثبيته والتحقق من الالتزام بمقتضياته وتحديد خروقه، لكن السؤال الخطي هنا على الخرائط، لو سمحتم دعوا خبراءكم العسكريين أن يحددوا لنا المواقع التي لا تتشاركون فيها مع النصرة لتشميلها بوقف النار بعد التدقيق فيها وصحة المعلومات من الرعاة الثلاثة، فكل منطقة تخضع بالكامل للموجودين حول هذه الطاولة حصراً، إذ يملك الموجودون حول الطاولة تشكيل وفد لزيارتها بصورة آمنة للتحقق من أحوالها، وعندما يبدأ الأتراك بالتعرق وجماعاتهم المسلحة تحمرّ وجوههم ويرتفع سعالهم يسأل السفير الجعفري عما إذا كان ممكناً للخرائط أن تجهز في اليوم الثاني قبل جلسة الختام لتوقيعها وتصديقها من الرعاة، فيبلع الجميع لعابهم.
– في باطن باطن الأوراق السورية سؤال «بريء» موجّه لكل من يشارك على الطاولة من مستضيف وضيوف، ورعاة ومشاركين، هل نحن نثبت وقف النار كهدنة بين متحاربين يريدون العودة للحرب أم يستعدون للذهاب إلى السلام، وفي الأولى سورية ليست تعبة من الحرب لتوقفها تمهيداً لاستئنافها، ولن تمنح من يريد هدنة ليستعد للعودة إلى الحرب ما يريد، فهل وقف النار خطوة على طريق السلام، وإذا كان الجواب نعم، كما يفترض أن يكون فما هي خريطة طريق الانتقال من وقف النار إلى محادثات السلام، وكم هي المدة اللازمة لوقف النار قبل هذا الانتقال، وهل غموض المهلة يعني غير نيات البعض بتحويل وقف النار إلى هدنة تمهّد لجولة حرب جديدة؟ هنا اسودّت وجوه واكفهرّت وجوه، فجاءتهم التتمة، إذن اكتبوا مهلة مفترضة، شهراً، إثنين، ثلاثة، أو مهلة سياسية فقولوا حتى يتوضح موقف الإدارة الأميركية الجديدة ونياتها تجاه مواصلة الحرب على سورية، أو تجاه العلاقات الثنائية بشركاء الحرب على سورية.
– انفجر الأتراك وجماعاتهم غضباً، قبل أن يهدأوا ويكتشفوا أن هوامش المناورة تضيق، وعليهم الاختيار بين العودة بهدنة هشة قد تسقط في أي وقت وتسقط فيها إدلب، كما سقطت حلب بيد الجيش السوري، وقبل أن يتسنى استيضاح المخبوء الأميركي، أو أن يتقدموا خطوة إلى الأمام وملء الفارغ في الأوراق والخرائط التي دعاهم الجعفري لتقديمها قبل انفضاض أعمال المؤتمر.
(البناء)