مقالات مختارة

محادثات أستانة: دمشق لتعميم المصالحات… والمعارضة لترقّب موقف ترامب د. عصام نعمان

 

اليوم تبدأ محادثات أستانة، عاصمة كازخستان، برعاية روسيا وتركيا وإيران، وبحضور مندوبي سورية وممثلي فصائل «المعارضة السورية المعتدلة»، أي بمعزل عن تشكيلات الإرهابيين، وأهمها تنظيما «داعش» و«النصرة».

الأمم المتحدة ستكون حاضرة ايضاً. فقد طلب أمينها العام الجديد انطونيو غوتيريس من مبعوثها الخاص الى سورية ستيفان دي ميستورا المشاركة في المحادثات «نظراً الى أهمية القضايا المرجّح أن تناقَش فيها».

خلافاً لموسكو وانقرة، عارضت طهران دعوة واشنطن للمشاركة في المحادثات. لكن موسكو أدركت أهمية مشاركة الولايات المتحدة فوجّهت اليها الدعوة عشية تنصيب رئيسها الجديد دونالد ترامب الذي لم يُرسل وفداً، بل اكتفى بتكليف سفيره في أستانة مهمة حضور المحادثات ومراقبتها.

سورية، كما روسيا وتركيا، تؤمّل بأن يكون موقف ترامب، سواء داخل محادثات أستانة او خارجها منسجماً معها على الأقلّ في ما يتعلّق بمحاربة «داعش» داخل سورية وغيرها من الدول التي يمارس فيها نشاطاً ارهابياً. الدول الثلاث تراهن ايضاً على موقف الكونغرس الأميركي المعادي، مبدئياً، لـ «داعش».

هل من نتائج منتظرة للمحادثات في عاصمة كازخستان؟

بشار الأسد ليس لديه توقعات كثيرة بل مجرد آمال. قال لقناة تلفزيونية يابانية إنّ الأولوية يجب أن تكون لوقف النار بما يتيح للتنظيمات الإرهابية التخلي عن أسلحتها والحصول على عفو حكومي والسماح تالياً للمساعدات الإنسانية بالوصول الى مختلف مناطق البلاد.

خلافاً للأسد، يرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انّ أستانة ستشهد حواراً سياسياً يؤدّي الى وضع معايير للمفاوضات التي ستجري لاحقاً في جنيف.

طهران لا تعلّق آمالاً على محادثات أستانة. ما يهمّها، في الدرجة الاولى، إبعادها عن تأثير واشنطن وضمان الوصول مع فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» الى تفاهمات تكفل مواجهة التنظيمات الإرهابية وإجلائها عن المناطق السورية التي تحتلها.

أنقرة سعيدة لأنها نجحت في إبعاد التنظيمات السورية الكردية عن أستانة، وهي تتطلع الى تسويات في مفاوضات جنيف المقبلة تضمن عدم تمكين الأكراد السوريين من اقامة مناطق حكم ذاتي على طول الحدود السورية التركية.

الى ذلك، يبدو انّ للميدان الكلمة الأخيرة في محادثات أستانة كما في مفاوضات جنيف. فالحرب في شمال سورية، كما في شرقها وجنوبها، ناهيك عن محيط دمشق وادي بردى ما زالت ناشطة، وسيكون لنتائجها انعكاسات سياسية مؤثرة. من هنا إصرار الحكومة السورية على عدم التراخي في مقاتلة كلّ مجموعة تحمل السلاح ضدّها سواء كانت إرهابية معلنة او متحالفة ضمناً مع أحد التنظيمات الإرهابية المعروفة، وهي تعتبر كلّ المجموعات الإرهابية متمرّدة على سلطة الدولة لمجرد أنها تحمل السلاح وتقاتل الجيش السوري. فوق ذلك، ترى دمشق أنّ استمرار المجموعات الإرهابية في نشاطها او سيطرتها على أيّ منطقة سورية، يتيح للولايات المتحدة كما لـِ «إسرائيل» تشغيلها، بشكل او بآخر، في مخططات وسياسات ترمي لتقسيم سورية أو لإبقائها في حال أمنية مضطربة.

الحقيقة انه من الصعب التكهن، في هذه المرحلة، بما ستؤول إليه محادثات أستانة وبعدها مفاوضات جنيف، اذا قُيّض لهذه أن تنعقد. ذلك أن أحداً لا يعرف ما ستكون عليه سياسة ترامب ومواقفه حيال الدول الكبرى كما حيال دول غرب آسيا، ولا سيما تلك المنخرطة في حروب ضارية ضد تنظيمات الإرهاب في سورية والعراق وليبيا واليمن. كما لا يمكن معرفة ردود الفعل العربية والإسلامية حيال قيام ترامب بتنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس.

من الواضح أنّ لترامب تصورات وبالتالي مواقف معينة من قضايا الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، وفي مقدمتها نقل السفارة، والاستيطان، وتحديات الصراع في سورية وعليها، والموقف من محور المقاومة بأطرافه الثلاثة: طهران ودمشق وحزب الله اللبناني، ومن قضية تنظيمات المقاومة العربية والإيرانية التي تقاتل في سورية الى جانب الجيش السوري، ومن مستقبل العراق وعلاقته بسورية من جهة وبإيران وتركيا من جهة أخرى، ومن مستقبل سورية والعراق ولبنان بعد دحر تنظيمات الإرهاب وانعكاس ذلك على «إسرائيل» التي تبتغي، عبر تعاونها مع تنظيم «النصرة» في محيط الجولان السوري المحتل، تأمين دور لها، مباشر او مداور، في مفاوضات جنيف لحماية ما تسمّيه أمنها القومي، بما في ذلك تدويم احتلالها للجولان.

الى ذلك، ثمة موقف لترامب من الاتفاق النووي قد ينعكس سلباً على علاقة واشنطن مع طهران التي ترفض اي تعديل في بنوده، وتبدي استعداداً وتصميماً على مواجهة الولايات المتحدة إذا حاول ترامب فكّ التزام واشنطن به او الالتفاف عليه. كذلك، ثمة موقف لترامب يتناول روسيا لجهة سياستها في اوكرانيا والقرم والارتقاء بصناعة الصواريخ البالستية، كما من الصين حيال أنشطتها في بحر الصين والتوسّع الهائل في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول العالم قاطبة.

ستتولّد، بلا شك، انعكاسات مؤثرة لمواقف ترامب حيال كلّ هذه الدول والقضايا ما يؤدي الى قيام توازنات دولية جديدة تؤدّي تدريجاً الى بزوغ نظام عالمي جديد.

كلّ ما تقدّم ذكره واقعات وتطورات يتوقف مصيرها، الى حدٍّ بعيد، على ما يمكن أن يقوم أو لا يقوم به رجل واحد اسمه دونالد ترامب. هل حدث في التاريخ القديم والحديث أن كان مصير العالم رهن إرادة رجل فرد وفريد من طراز هذا الذي يتربّع الآن على عرش أميركا؟!

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى