بقلم ناصر قنديل

مَن يفهم أوباما عشية الرحيل مثل ميشال سليمان؟

ناصر قنديل

– لا يتعلق الشعور بالحسرة في الليلة الأخيرة في المقر الرئاسي بحجم البلد ولا بمكانة الرئيس وبصمته وباما وحجم تأثيرها، فهو مجرد شعور إنساني يحصد معه الشخص الذي صار رئيساً في بلد ما، كبيراً أو صغيراً، ثمرة رهاناته وما كان يظنه صواباً، ويجد مع حصاد الفشل والخسائر تفسيراً بجحود الغير أو بضعف العقلانية التي يرغب بتمييز مواقفه بها.

– يتميز باراك أوباما بسياسة النأي عن الحروب التي تشبه لبنانياً معادلة الرئيس ميشال سليمان بالنأي بالنفس، وقد تسببت فلسفة النأي عن الحروب لأوباما بتحقيق أبرز إنجازاته لدى فريق كان يخشى تورط الإدارة الأميركية بحروب تشعل العالم، كما لاقى النأي بالنفس الذي ارتبط باسم الرئيس سليمان تشجيع فريق كان يخشى أن ينتصر سليمان لعلاقته بسورية وحزب الله، فيختل ميزان القوى اللبناني لصالحهما. لكن أوباما الذي لقي ترحيب روسيا التي تقف على الضفة المقابلة عالمياً، بابتعاده عن الحروب أنهى ولايته بأسوا ما يمكن لرئيس أميركي فعله في العلاقة مع موسكو بطرده خمسة وثلاثين دبلوماسياً روسياً من واشنطن، بينما أنهى الرئيس سليمان الذي بدأ عهده مرشحاً مقرباً ومدعوماً من المقاومة بأسوأ ما ستتذكره المقاومة عن موقف رئاسي بحقها مع وصف سليمان لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي يصفها المقاومون بالمعادلة الذهبية بمعادلة خشبية ولّى زمانها.

– ينظر الرئيس اوباما لعدم وفاء الأميركيين وجحودهم بحسرة، وهو يرى الرئيس القادم إلى البيت الأبيض خلفه دونالد ترامب، بلغته الحادة وخطابه الحديدي، وتقربه من روسيا، وتمسكه بـ«إسرائيل»، وهما الجهتان الأهم اللتان حرص أوباما على عدم إغضابهما، فسحب مبادرته الرئاسية لحل القضية الفلسطينية وفقاً لرؤية حل الدولتين عام 2010 ودعم حروب «إسرائيل» في غزة، وذهب للتفاوض مع روسيا ومحاولة إنضاج تفاهمات معها كان أهمها التفاهم على الملف النووي الإيراني والحل السياسي للسلاح الكيميائي السوري، لكنه كما انتهى بحصاد أعلى منسوب غضب روسي على رئيس أميركي انتهى بحصاد أعلى نسبة غضب «إسرائيلي» بقرار عدم استخدام الفيتو لمنع صدور قرار يدين الاستيطان عن مجلس الأمن الدولي، بينما لم يحصد الرئيس سليمان من إفساد علاقته مع سورية وحزب الله وفلسفة النأي بالنفس والمعادلة الخشبية إلا حسرة رؤية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، بترشيح ودعم وابتسامة عريضة من كل الذين لأجلهم خاصم سليمان سورية وحزب الله، وهو يشعر بجحود السياسة والساسة في لبنان، بعدما كان ينتظر خلفاً يشبه هيلاري كلينتون في قصر بعبدا لا دونالد ترامب.

– الهبة السعودية للجيش اللبناني التي حملت اسم الرئيس سليمان ولم يزعجه إلغاؤها احتجاجاً على مواقف خصومه اللبنانيين من السعودية، تبدو عائدة على طبق من ذهب لبناء جسور علاقة سعودية مع العماد ميشال عون وقد صار رئيسا، فيما يطوي النسيان علاقة الرئيس سليمان بالهبة، كما سيطوي النسيان قانون التأمين الصحي الذي حمل اسم باراك أوباما وسيقتلعه دونالد ترامب بتعديلات تمنحه اسماً جديداً ربما يكون ترامب كير، بمثل ما ستحمل الهبة بدلاً من اسم سليمان اسم عون.

– لا يفيد أوباما لتعزية نفسه بالفشل وهو يخرج بلا أصدقاء، أن يتخذ مظلومية الفلاسفة الذين لا تقدر قيمتهم الشعوب ولا تستحقهم الإنسانية، كما لم يفد سليمان التغني بتمثيل الاعتدال، لأن هذا سيجعله يصف كل من كان يسميهم بحلف الاعتدال بالمتطرفين محلياً وعربياً، وماذا سيقول غدا عن وصول فرانسوا فيون للرئاسة الفرنسية وصورته التذكارية المقبلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، ممثلاً حزب شارل ديغول والاعتدال الحضاري الأوروبي؟

– هي ليست السياسة الـ»بلا قيم» والـ»بلا وفاء»، بل حصاد الذين يمضون أيامهم بالتردد في الحسابات بحجة التعقل وحسن التصرف وينتهون، كما يقول المثل الشائع، والسوري بالمناسبة، «لا بدُمّر عيّدنا ولا بالشام لحقنا العيد».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى