نقلة في الإعلام الوطني السوري
غالب قنديل
يلاحظ المتابع في الأشهر الأخيرة تبدلا في نوعية ومستوى الأداء الإعلامي السوري بالانتقال إلى المواكبة الحية والنقل المباشر للمعارك والأحداث في معظم انحاء سورية وهو ما شرع يحدث تبدلا في التفاعل الإعلامي الدولي والإقليمي بحيث باتت وسائل الإعلام السورية مصدرا أول للعديد من الأخبار والمعلومات التي كانت سابقا تنتظر طويلا في غرف التحرير قبل الإفراج عنها بينما يتلقاها المواطن داخل سورية من وسائل إعلام عربية ودولية بعضها لعب دورا رئيسيا في الحرب على سورية وقد احترفت تلفيق روايتها عن كل حدث او تطور ميداني ام افتراضي بصورة تخدم مسار التعبئة والتحريض لصالح عصابات الإرهاب وبما يخدم التضليل المكثف الذي كان من اخطر ادوات إشعال الحرب وتطوير مسار العدوان الاستعماري الصهيوني على الجمهورية العربية السورية .
منذ آذار 2011 عانى الإعلام السوري من قيود وضوابط كبلت المحررين والمراسلين الذين فاضوا بتضحيات وجهود بلغت حد الاستشهاد ووضعت المؤسسات الإعلامية الوطنية والحليفة في وضعية الدفاع الاستراتيجي بحيث تركز جهدها دائما على تلقي الرواية المعادية والعمل من ثم على تفكيكها فشكلت أسبقية الرواية المعادية زمنيا وحجم القدرات التي سخرت لتعميمها من خلال إمبراطوريات إعلامية عالمية وإقليمية ضخمة قاعدة أفضلية هجومية طابشة لصالح حلف العدوان.
يمكن القول بوضوح إن الإعلام الوطني السوري وسائر الإعلام المقاوم استطاعا كسب المعركة بالنقاط من خلال تفكيك الرواية المعادية وفضح ثغراتها وتلفيقاتها ولكن الإعلام الوطني السوري ظل يفتقد إلى موثوقية المصدر الأول للخبر وهذا ما تركزت عليه جهود وزير الإعلام والفريق القيادي الذي اختاره في الأشهر الأخيرة رغم ضعف الموارد وقلة الإمكانات بحيث اقتضى الأمر خطوات صعبة كثيرة لتوفير القدرات اللازمة تقنيا بهدف تطوير الأداء وجرت إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية بما يتناسب مع حجم الموارد المتاحة في ظروف شديدة الصعوبة ومع الكلفة التي لابد منها لإعادة توزيع الإمكانات التقنية وتوسيع انتشار التغطية الإذاعية والتلفزيونية على الأرض واستدراك ما لحق بشبكاتها من دمار وخسائر بدلا من انتشار أفقي يشتت الجهود بتعدد القنوات والمحطات فالوضع الراهن لا يحتمل مثل هذا الترف بسبب تراجع إمكانات الدولة وتفاقم معضلات الحرب الاقتصادية والمالية والحصار المفروض على الدولة الوطنية السورية التي تتقدم عندها اولويات المجهود الحربي ورعاية الشهداء والجرحى وتطوير فاعلية القوات المسلحة في الدفاع عن البلاد وضمان أساسيات العيش والصمود للناس.
في الأشهر الأخيرة وبالذات منذ معارك حلب تبلورت موجة تغيير حقيقي في اداء الإعلام السوري شكلا ومضمونا بحيث بات المراسلون على الأرض يواكبون بالبث الحي وينقلون المعلومات بسرعة قبل أي وسائل اخرى صديقة ام معادية وباتت وسائل الإعلام الوطني تتسع لجميع الآراء والمواقف وأحيانا بتنوع صادم في جرأة التواصل مع اطراف وجهات سياسية معارضة او فصائل مسلحة بصورة أسقطت الكثير من المعايير النمطية التي تنعت بالجمود وقد أسهمت برامج تلفزيونية وإذاعية كثيرا في فتح خطوط التواصل والحوار وتقدم المصالحات في العديد من المناطق السورية.
خلال معارك حلب كسرت حواجز كانت تعتبر من المحرمات بحيث تمت التغطية الحية ومن خلال بعثات إعلامية متحركة ونقلت المعلومات عن المعارك بغض النظر عن وجهتها دون تردد وكانت المفاجأة الإعلامية الأخيرة في سرعة تغطية الإعلام السوري لخبر الغارة الصهيونية على مطار المزة العسكري قبل صدور البلاغ الرسمي عن قيادة الجيش والقوات المسلحة وهو امر غير مألوف وغير مسبوق ففي معظم المرات السابقة كانت الوكالات والمؤسسات الأجنبية تنقل الخبر عن مراسليها في عمان وبيروت وتل أبيب قبل ان يظهر عبر الإعلام الوطني السوري الذي كان ينتظر البلاغات الرسمية ليبثها واحيانا يتأخر الإفراج عن الخبر يوما او يومين ويظل المواطن السوري أسيرا للرواية التي تبثها الوسائل الأجنبية والمعادية بكل ما فيها من مزاعم وسموم لمصلحة الكيان الصهيوني .
التطور الجاري في وتيرة اداء الإعلام السوري تحتشد لتحقيقه جهود كبيرة وقدرات متواضعة في زمن شح شديد الصعوبة على جميع الصعد ومن هنا اهميته وقيمته المهنية وهو شهادة على ان الإرادة والتصميم يمكن ان يحدثا التغيير المنشود بصورة ترسخ الثقة بالإعلام الوطني الذي يفاجيء المواطنين السوريين بجرعات من الجرأة والديناميكية التي تستحق التحية والتنويه لكل الطاقات المهنية والإدارية والتقنية التي تتلاقى على خوض غمار التحدي لتحديث الإعلام الوطني السوري شكلا ومضمونا .