ماذا ينتظر اميركا في عام 2015 ؟: د.منذر سليمان
نظرة استشرافية
بزوغ عام جديد ينطوي النظر اليه وجملة احداثه في سياقها الموضوعي وكجزء من التطورات العالمية الشاملة، ابرز عناصره احتدام الصراع بين الولايات المتحدة، كمركز للنظام الرأسمالي والهيمنة العالمية، والدول الصاعدة ممثلة باقطاب دول البريكس المتجهة نحو بناء نظام مغاير للمنظومة الغربية. صراع رافقته رسائل تهدئة اميركية “مؤقتة” لكل من ايران وكوبا، وشحذ سهام العقوبات الاقتصادية ضد روسيا هذه المرة وتجنيد وكلائها الاقليميين من دول النفط الخليجية لشن معركة خفض اسعار النفط – بقرار سياسي وليس وفق معادلات السوق “الحرة.”
“التنبؤ” باحداث العالم المقبلة مسألة تختص بها المؤسسات الاعلامية والرسمية الساعية للتضخيم والمبالغة؛ ما نرمي اليه هو استشراف التطورات الاميركية الداخلية وانعكاساتها عالميا، في ضوء تفاقم الصراع الداخلي بين المؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية، على ضوء “اختلال” موازين القوى لصالح التيارات الاشد محافظة وعدوانية في المجتمع الاميركي، دشنه الرئيس اوباما باصداره “اجراءات تنفيذية” تكتسب الشكل القانوني حسب تفويض الدستور، متحديا الهيكلية الجديدة وسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس.
الاقتصاد
الحالة الاقتصادية هي محور اهتمام غالبية الشعب الاميركي، اذ اثبتت نتائج الانتخابات النصفية وهزيمة مرشحي الحزب الديموقراطي صحة الفرضية، ولا زالت المعاناة اليومية قائمة على خلفية تراجع الاداء الاقتصادي. بارقة الأمل الوحيدة التي برزت مؤخرا هي انخفاض اسعار الطاقة، بنحو 50% لوقود السيارات، وانتعاش قطاع الاستهلاك نتيجة لذلك. بعيدا عن الابعاد والدوافع السياسية لذلك الاجراء، في معادلة صراع الولايات المتحدة مع روسيا وايران وفنزويلا، فمن شأنها تعديل انهيار نسب شعبية الرئيس اوباما وسياساته بشكل عام.
الاحصائيات الاقتصادية الرسمية تشير الى تراجع معدلات البطالة، بيد ان اليد العاملة خارج سوق العمل تشهد ارتفاعا مضطردا مما يرسي ظلالا من الشك حول توقعات تعافي الاقتصاد. سوق الاسهم، عصب النظام الرأسمالي، يشهد نموا وارتفاعا نظرا لانخفاض معدلات الفائدة الى نسب متدنية من قبل “الاحتياط الفيدرالي.” على الرغم من انتعاش سوق الاسهم، الا ان حالة من القلق تسود اوساط المستثمرين لخشيتهم من انتكاسة اقتصادية جديدة، ربما اشد قسوة من عام 2008.
ويلاحظ انتهاز اوباما لفرصة تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية للقيام بجولة على بعض الولايات للترويج الدعائي لنفسه مقابل الحزب الجمهوري ولاظهار بعض الانجازات الخاصة به مع اقتراب موعد خطابه السنوي امام الكونغرس حول حال الامة.
آلية عمل الرئيس اوباما مع خصومه الجمهوريين
استبق الرئيس اوباما نتائج فوز الحزب الجمهوري للاعلان عن نية لتقديم التنازلات ولمدة محددة. واوضح مرارا انه ينوي استخدام حق الفيتو لابطال مفعول مشاريع قرارات لا تروق له يرسلها اليه الكونغرس حتى وان ايدها بعض النواب الديموقراطيين.
يدرك الرئيس اوباما تحرره من القيود الانتخابية في ما تبقى له من ولايته الرئاسية؛ وينتظر ان يصدر سيلا من “الاجراءات التنفيذية” للالتفاف على معارضة الكونغرس خاصة في المسائل الخلافية بينهما: اجراءات لحماية البيئة، مزيد من قرارات لتقييد اقتناء السلاح الفردي، وتفعيل قوانين ناظمة للقطاع الخاص، وتقييد حرية قطاع الاتصالات.
بيد ان طريق الاجراءات التنفيذية احادية الجانب لا تخلو من العقبات، سيما عند الاخذ بعين الاعتبار تحكم مجلس النواب باقرار بنود وصرف الميزانيات واستغلالها لابعد الحدود لافشال مخططات الرئيس اوباما. على سبيل المثال، تم اقرار ميزانية وزارة الأمن الداخلي لنهاية شهر شباط المقبل فقط، كما يتعين على الكونغرس اصدار موافقته لرفع سقف الدين العام في الاشهر القليلة المقبلة كي يتم التوصل لاقرار الميزانية السنوية مع نهاية شهر ايلول المقبل.
غني عن القول ان الرئيس اوباما يسير على خطى من سبقوه لارساء تركه وارث سياسي خاص به على الحياة العامة، وهو بحاجة ماسة لانجاز ايجابي في مجال السياسة الخارجية بشكل خاص. كان من المفترض ان يشكل برنامج الرعاية الصحية الشامل نواة الارث المطلوب داخليا، لكن الكونغرس بطبعته الجديدة سيسعى للقضاء عليه واللجوء للمحكمة العليا (الموالية للجمهوريين والمحافظين) ان تطلب الأمر ذلك.
تحقيق طموح الرئيس اوباما يتطلب ارساءه علاقة عمل ودية على الاقل مع الكونغرس، الامر الذي لم يفلح فيه للحظة حتى في ظل سيطرة الحزب الديموقراطي على مجلس الشيوخ. استصدار اجراءات تنفيذية قد يؤسس للتغيير المطلوب مع ادراك الثغرة القانونية الكامنة ان الرئيس المقبل باستطاعته تعديل او الغاء الاجراءات بكاملها.
مجال السياسة الخارجية هو المرشح الاكبر كي يحقق الرئيس اوباما بعض الانجازات طويلة الأجل، سيما وانها من اختصاص الرئاسة دستوريا. تعددت وتشعبت الانتقادات لسياساته الخارجية، خاصة حيال ايران والدولة الاسلامية وكوبا وروسيا، مما ينذر بتقويض فعاليتها. وقف تدهور التأييد لسياساته الخارجية يستوجب منه تغيير البوصلة بغية كسب تأييد بعض الجمهوريين لجانبه، او الاقدام على مبادرات جريئة تخفف من حدة التوتر القائم مع روسيا وبوتين.
تركيبة الكونغرس الجديدة
المكاسب السياسة ترافقها عادة بعض الاخفاقات، خاصة فيما يتعلق بسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس. من ناحية، باستطاعة الكونغرس الضغط على المؤسسة الرئاسية للموافقة على بعض القوانين، كما شهدنا في اقرار الميزانية العامة نهاية العام المنصرم. وتجدر الاشارة الى قدرة الكونغرس تحييد فعالية “فيتو” الرئيس عبر آلية سن قوانين من شأنها كسب تأييد العامة وابتزاز المندوبين عن الحزب الديموقراطي في ثنائية قاسية: اما التمسك وتأييد قرار فيتو الرئيس وما يرافقه من تداعيات لدى القواعد الانتخابية، او التصويت مع نظرائهم لابطال الفيتو بنسبة الثلثين من المندوبين.
بالمقابل، تنطوي استراتيجية الجمهوريين لتقييد المؤسسة الرئاسية على ثغرات قاسية منها اضطرارهم لتحمل مسؤولية الحفاظ على استمرارية عمل المؤسسات الحكومية دون تهديد انقطاع التمويل، وما يرافقه من التفاف على احد الاهداف السياسية بتقليص حجم الجهاز الحكومي واللجوء للاقتراض ورفع سقف الدين العام الذي ترفضه قاعدتهم الانتخابية.
لا يعرف عن الحزب الجمهوري التحلي بالكياسة والحنكة السياسية، لا سيما قياداته الراهنة التي ما برحت تزايد على بعضها في ابعاد التشدد ومعاداة الآخر. نخبة الحزب القيادية ادخلت نفسها في مأزق قد لا تستطيع الخروج منه دون خسائر بينة: السير بروية وتمعن بين خيار اقفال المؤسسات الحكومية والضغط على الرئيس اوباما لنيل توقيعه ومصادقته على قرارات تتضمن بنود خلافية بينهما.
الحزب الديموقراطي ايضا ينقصه الانسجام الداخلي، خاصة بعد اشتداد التموضع بين القطب اليساري، ممثلا بالسيناتور اليزابيث وارين، والقيادة التقليدية المتأرجحة دوما بين اقطاب رؤوس الاموال والطبقة الوسطى التي تتغنى بالدفاع عن مصالحها، بينما تمضي في عقد صفقات سياسية واقتصادية مع الجمهوريين من شأنها تقويض تلك الشريحة الاجتماعية.
الانتخابات الرئاسية المقبلة تؤشر على مزيد من الانقسامات والاستقطاب داخل الحزبين، وسعي الساسة لاسترضاء الجمهور الغاضب وربما التوصل لحلول وسطية بدء العام الجاري والذي قد تتغير ظروفه للاسوأ قبل افوله وبدء الموسم الانتخابي.
الانتخابات الرئاسية
سيشهد العام الجاري سباق اعلان المرشحين نيتهم دخول سباق الحملة الانتخابية، التي ستتوج بمؤتمر الحزبين السنويين صيف 2016.
الحزب الديموقراطي في حالة انتظار طويلة للتيقن من اعلان السيدة هيلاري كلينتون عن نيتها بالترشح من عدمه. طول الانتظار قد يتسبب بكلفة عالية تؤثر على مسار الترشيح على الرغم من تمتعها بدعم شعبي واسع داخل قطاع المرأة بشكل خاص، والتيارات المحافظة في الحزب، رغم ان الترشح لا يقود للفوز بالضرورة. تلكؤ السيدة كلينتون في الاعلان رسميا عن ترشحها يضغط على المرشحين المحتملين للبقاء خارج التداول وحرمانهم من المضي في حملات التبرعات المالية الضرورية لاجتياز السباق الرئاسي.
خارطة مرشحي الحزب الجمهوري زاخرة بالطامعين، تتضمن جيب بوش؛ مايك هاكابي؛ سكوت ووكر؛ ريك بيري؛ راند بول وربما ميت رومني. كما ان اخرين ينتظرون بشغف دخول السباق. انضمام جيب بوش لقائمة المرشحين يثير تحفظ وعدم رضى اجنحة الحزب الاخرى نظرا لخطورة ما يرونه من ارساء ارث سلالة حاكمة في النظام الجمهوري. اما في حال اجتيازه المحطات الانتخابية بنجاح وفوزه بترشيح الحزب فيتوقع أن تصطف القاعدة الانتخابية وراءه بصرف النظر عن التحفظات السابقة.
الشرق الاوسط
بوسع المراقب للسياسة الاميركية تلمس واستشعار التخبط والمناورة في صفوف الساسة الاميركيين، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار الوعود الانتخابية التي ادت لفوز الرئيس اوباما في ولايته الاولى حيث تعهد فيها باعادة القوات الاميركية من العراق وافغانستان. بيد ان الدلائل تشير الى تنامي انخراط القوات الاميركية في شؤون المنطقة، فضلا عن الحضور الدائم لسلاح الجو الاميركي في شن غارات وهجمات يذهب ضحيتها مزيد من الابرياء يوميا.
صعود القادة الاشد تطرفا في الحزب الجمهوري الى دفة القيادة، السيناتور جون ماكين مثالا، سيترك اثارا سلبية على تجليات السياسة الخارجية الاميركية التي ستشهد انخراطا مباشرا اوسع في القتال “ضد الدولة الاسلامية،” وتوفير مزيد من الدعم التسليحي المباشر لقوى المعارضة السورية.
قادة الكونغرس الجدد افصحوا مبكرا عن نواياهم للحيلولة دون التوصل لاتفاق نهائي مع ايران حول الملف النووي، مع ادراكهم ان الرئيس اوباما باستطاعته تطبيق صلاحياته الدستورية وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران. بالمقابل يحتفظ الكونغرس بحقه في “ابطاء” الموافقة على تخصيص الميزانيات المطلوبة لاعادة فتح البعثات الديبلوماسية الاميركية في ايران، والمصادقة على تعيين سفير اميركي كسلاح اضافي في وجه المؤسسة الرئاسية. سيبقى الملف النووي الايراني وامكانية التوصل الى تسوية في المفاوضات الجارية المؤشر الحاسم على قدرة اوباما على تحقيق اختراق وانجاز في السياسة الخارجية ، ويبدو ان لديه رغبة في ذلك ولكنه لم يظهر المرونة والجرأة الكافية حتى الآن لتحقيق مثل هذا الانجاز النوعي.
اما المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”اسرائيل” فمن غير المرجح ان تشهد تقدما ذا مغزى في ظل التجاذب بين المؤسستين ومحاباة قادة الكونغرس للسياسات “الاسرائيلية” لتقييد المؤسسة الرئاسية الاميركية، خاصة لادراك الطرفين تدني مصداقية كل من الرئيس اوباما ووزير الخارجية جون كيري لدى “الاسرائيليين” والفلسطينيين على السواء.
وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى تزامن هجمات باريس مع ادراج الكونغرس تجديد التصويت لتفعيل قانون “الباتريوت،” الذي واجه انتقادات شتى في الفترة السابقة تطالب الحد من سلطاته وسيطرته عقب الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي على الداخل الاميركي.
وتسارعت الدعوات عقب الهجوم لتحذير اعضاء الكونغرس من التعرض للقانون وتحث على مزيد من التشدد ومعارضة تقييد ايدي الاجهزة الامنية.
روسيا
تصعيد حالة التوتر مع روسيا مسألة تجد صدىً لها بين الطرفين، الرئيس اوباما والكونغرس. المؤسسة الروسية الرسمية وصفت تعزيز الناتو لقواته على ابواب روسيا بانه يشكل اكبر تهديد لاستقرار البلاد. ولاول مرة سمحت العقيدة القتالية الروسية لنفسها استخدام اسلحة دقيقة “في سياق تدابير الاستراتيجية الردعية،” دون تقييد صناع القرار في الكرملين بتفاصيل قد تنال من حرية قرار التصدي والمواجهة.
العداء المتأصل لروسيا وكل ما تمثله من ثقل وازن على المسرح الدولي مسألة تتقاطع فيها رؤى المؤسسة الرئاسية وقادة الكونغرس، خاصة السيناتور جون ماكين، مما سيوفر هامش مناورة ومرونة للرئيس اوباما لطبيعة الرد العسكري على روسيا. فمن ناحية، لن يواجه اعتراضا او ابطاءا في تمويل سياساته المقبلة لنشر مزيد من القوات الاميركية في دول اوروبا الشرقية، فضلا عن جهوزية الكونغرس لتمويل اجراءات اضافية تتضمن تطوير هيكلية الوحدات العسكرية التي تراجعت عددا وتدريبا في السنوات الماضية.
في جعبة اوباما ايضا اسلحة ضغط اضافية ضد روسيا والرئيس بوتين: تخفيض اسعار النفط بقرار سياسي ترك تداعيات سلبية على المشهد الروسي بشكل عام، وربما ساهم في تأجيل الرد العسكري الروسي، كما كان مفترضا، واضر بنفوذ روسيا لدى دول اوروبا الشرقية التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية لتشغيل اقتصادياتها؛ الأمر الآخر هو استدارة اوباما لتطبيع العلاقات مع كوبا على خلفية تراجع اسعار النفط مما قد يخفف من قدرة روسيا على ممارسة نفوذها التقليدي في الحديقة الخلفية لاميركا – على افتراض ان القيادة الكوبية ستثق بالتوجهات الاميركية بعد تاريخ طويل من التآمر والعداء والعدوان على اراضيها.
محصلة الامر ان الولايات المتحدة فاقمت حدة الصراع مع روسيا عبر تخفيض اسعار النفط وتعزيز تواجد قوات حلف الناتو على حدود روسيا مما يستدعي مراجعة روسية قد تفضي الى تقديم بعض التنازلات، والذي قد يصب في مصلحة “انجازات السياسة الخارجية” للرئيس اوباما.
كما لا يجوز استبعاد اضطرار اوباما الى اظهار مرونة في التعامل مع روسيا لتخفيف التوتر حرصا على توقه لتحقيق ارث خاص به قبل نهاية عهده. الاختبار سيكون في اوكرانيا واذا عجز عن احداث تفاهم مع بوتين في الاشهر القليلة القادمة سيصبح امر تحقيق درجة من الانفراج مع روسيا بعيد المنال.
الاحتجاجات المدنية
تجسدت في السنوات الاخيرة حدة الصراع بين الفئات الشعبية والمؤسسة الرسمية بتصاعد موجة الاضطرابات المدنية والمواجهة مع اجهزة الأمن المحلية في مناطق متعددة من الولايات المتحدة. يذكر ان بداية العام 2014 لم يسجل اي مظاهرات او اشتباكات مع اجهزة الشرطة ذات أهمية.
تبدل المشهد بسرعة انطلاقا من حادثة اغتيال شاب اسود على ايدي رجل شرطة ابيض في مدينة فيرغسون، وامتدت المظاهرات سريعا كالنار في الهشيم، مما يدل على نضوج ارهاصات كامنة داخل المجتمع كانت بانتظار شرارة لاشعالها. واندلعت المواجهات في المدن الاميركية الكبرى: نيويورك، اوكلاند ولوس انجيليس بولاية كاليفورنيا، وشيكاغو. باستطاعة المراقب ان يشهد “تراجعا” في حدة الاحتجاجات مؤخرا، وذلك مرده للاحوال الطبيعية وموجات البرد القارصة التي تجتاح اميركا الشمالية من اقصى الغرب الى السواحل الشرقية، بيد ان المواجهات شبه اليومية لم تنقطع وان كانت محصورة في بعض الاماكن العامة.
ما تقدم يتوفر دليل على توقع تنامي موجة الاحتجاجات والصدامات في العام الجديد يعززه الحضور البارز لقوى اجتماعية وسياسية كانت الى وقت قريب اما مهمشة او غائبة، لا سيما “حزب الفهود السود الجديد،” بعد اعادة تشكيله، والذي برز بوضوح خلال المواجهات المستمرة في مدينة فيرغسون. رُصد ايضا مناشدة الحزب للمواطنين السود الاقبال على اقتناء السلاح والتدرب على استخدامه “تهيئة للاضطرابات المدنية” المقبلة. الاجهزة الأمنية الاميركية تزعم توفر دلائل مادية لديها تخص تجنيد الدولة الاسلامية لعناصر محلية في مهمات مقبلة.
بموازاة حزب الفهود السود الجديد، حملت الاجهزة الأمنية مسؤولية مقتل رجلي شرطة في نيويورك الى مجموعة “الغوريلا السوداء،” الناشطة في مدينة بلتيمور بالقرب من واشنطن العاصمة. مفوض جهاز الشرطة في بلتيمور، انثوني باتس، اعرب عن تنامي قلق المؤسسة الأمنية حديثا زاعما ان “عصابة منظمة في مدينة بلتيمور ارسلت مشتبه به مسلح داخل مقرنا لجس نبض الاجراءات الأمنية واختبار جهوزيتها. الأمر ينذر بالخطر بالنسبة لنا ..”
المجموعات اليمينية والعنصرية المتطرفة ايضا تعد نفسها لمواجهات مقبلة مع الاجهزة الأمنية الاميركية، ابرز دليل عليها تصريحات منسوبة مؤخرا لاحد قادة “ميليشيات” ولاية متشيغان محذرا ان عام 2015 سيشهد انفجار موجات العنف مناشدا اعضاء مجموعته الاقدام على شراء مزيد من الاسلحة والذخائر.
على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها المؤسسات السياسية لتعزيز وتحصين اجهزة الشرطة، بشكل خاص، من المساءلة الحقيقة، الا ان حدة المواجهات ادت حدوث شرخ في العلاقات بين المسؤولين السياسيين المحليين ورجال الشرطة، في مدينة نيويورك مثلا، مما ينذر بتطور الامور الى الاسوأ قد تطال مدنا اخرى. يذكر ان اجهزة الشرطة المحلية الاميركية تأتمر للقيادات السياسية المنتخبة محليا، ومن شأن اي توتر في العلاقات بين الطرفين ان يثير القلق مما قد تحملة الايام المقبلة.
انحسار المواجهات نتيجة الاجواء الطبيعية القاسية سيعوضه دفء الاشهر المقبلة، خاصة فصل الصيف، كما تدل كل المؤشرات.
آفاق عام 2015 – للافضل ام للاسوأ؟
الاشهر القليلة المقبلة ستشهد بدء سباق الانتخابات الرئاسية واصطفاف القوى والمصالح المختلفة للتحضير للجولات الاولى في ولاية نيوهامبشير، بالنسبة للحزب الديموقراطي، وولاية أيوا للحزب الجمهوري. المرشحين الاقوى للحزبين، هيلاري كلينتون وجيب بوش، سيطوفان على مموليهم بالدرجة الاولى على الرغم من ان دخول السيدة كلينتون لا يزال ينتظر اعلانا رسميا بذلك.
الاوضاع الاقتصادية حبلى بتغيرات متعددة، اقلها تقلب اسواق الاسهم، وثبوت ارتفاع معدلات البطالة وبلوغها مستويات مقلقة. من المرجح ان يتم التفاف السياسيين على المسألة عبر الاشارة الى انخفاض اسعار الطاقة وانعكاساته بتحفيز انفاق المستهلكين.
الصراع التاريخي بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية سيشهد مطالبات القوى المختلفة لضرورة انسجام خطوات المؤسستين، خاصة فيما يتعلق بضرورة التوصل لصيغة توافقية تفضي الى تمويل الاجهزة الحكومية وعملها بصورة اعتيادية. غني عن القول ان قضايا الاختلاف بين المؤسستين لا تطال الرؤى والاهداف الاستراتيجية العامة، وتخضع لايقاعات الاستراتيجية بعيدة المدى.
تتشارك المؤسستان بالقلق من الاضطرابات المدنية وابعادها، خاصة للجهود المضنية التي بذلت سوية لاحتواء الصراعات الاجتماعية خلال العقود الخمسة الماضية، على الاقل، والتي تهدد باندلاعها مجددا وربما تضطران لتقديم بعض التنازلات الحقيقية عوضا عن الاشعار بالمشاركة الشكلية للقطاعات المهمشة. آفاق التوصل لسيناريو يرضي الطرفين لا تلوح في الافق القريب نظرا لحدة الانقسامات الاجتماعية وشح الفرص الاقتصادية وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وتركيز اعلى للثروة العامة بين ايدي فئة عددية متدنية. ايضا، تجميد المؤسستين لخلافاتهما الايديولوجية في ظل التحولات الاخيرة يبدو بعيد المنال، حتى لو توفرت النوايا الصادقة بذلك، يفاقمه تنامي نزعة التشدد والعنصرية داخل صفوف الحزب الجمهوري.