«عض اصابع» انتخابي «صامت» بين عون والحريري هل ينتهي شهر العسل؟ ابراهيم ناصرالدين
هل ينتهي «شهر العسل» مبكرا بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري؟ سؤال وضع على «نار حامية» خلال الساعات القليلة الماضية بعد «نعي» وزير الداخلية نهاد المشنوق القانون الجديد للانتخابات بعد ساعات قليلة على تصريحات علنية لرئيس الجمهورية بان الانتخابات المقبلة ستكون وفقا لقانون جديد.. فهل تكون اولى «نكسات العهد» على يد تيار المستقبل؟ وهل لدى الرئاسة الاولى من خيارات للرد؟
اوساط سياسية مسيحية مطلعة على هذا الملف، تتحدث عن اتصالات بعيدة عن الاضواء حصلت في الساعات القليلة الماضية لاستكشاف مضمون «رسالة» المشنوق، وتبين ان صراحة وزير الداخلية عبر تأكيده استحالة اتفاق الافرقاء السياسيين على قانون انتخاب في المهل القانونية المتبقية، لم تكن مجرد رأي تقني صادر عن الجهة المكلفة ادارة العملية الانتخابية، بل هي انعكاس لموقف تيار المستقبل الذي لا يريد التخلي عن قانون الستين، كلام المشنوق كان يجب ان لا يكون محل مفاجأة في قصر بعبدا، لانه ينسجم مع ما كان سبق وتحدث عنه الرئيس الحريري في «الغرف المغلقة»، قالها الحريري صراحة خلال تفاوضه مع الوزير سليمان فرنجية على الرئاسة، وكذلك طرحها امام الجنرال ميشال عون في مراحل التفاهم على التسوية الرئاسية، لكن التيار الوطني الحر والرئاسة الاولى ظنا ان التفاهمات السياسية القائمة في البلاد، «واغراء» تيار المستقبل بتحالف يشمل القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، والتيار الوطني الحر، يمكن ان يدفع «التيار الازرق» باتجاه التخلي عن رغبته الدفينة في الابقاء على قانون الستين، لكن اشارات المشنوق جاءت لتؤكد ان قيادة المستقبل «تناور» وترفض شركة متوازنة مع اطراف اخرى في مناطق نفوذها، ولانها تخشى المجاهرة بالامر، وجدت «بالفيتو» الجنبلاطي،»خشبة خلاص» من عبء النسبية الذي لا تريده، ولكنها تريد ان يجهض على يد غيرها، لانها لا تريد ان تدفع اثمانا سياسية في المقابل.
وبحسب تلك الاوساط، «التيار الازرق» امام خيارين : اما رفع سقف التحدي امام العهد عبر اجهاض قانون جديد للانتخابات، لربح معركة «البيت الداخلي» عبر التمسك بقانون الستين، وإما اعطاء العهد دفعة ايجابية على «الحساب» بالتفاهم على قانون جديد مرتبط بتحالفات انتخابية مسبقة، واثمان سياسية مرتبطة بالمرحلة المقبلة وحكومة العهد الثانية، وفي حال تبنى الخيار الاول يكون قد وجه «صفعة» مدوية لرئيس الجمهورية المؤتمن في دولة الطوائف على المقاعد المسيحية، هو لن يستطيع اسقاط شعاراته القائمة على تحرير هذه المقاعد من «هيمنة» التيار الازرق» والنائب وليد جنبلاط، مع العلم ان ثمة من في التيار الوطني الحر كان قد طلب من الرئيس عدم رفع سقف التحدي في «معركة» القانون الجديد لان «الستين» سيكون مناسبا لاكتساح المقاعد المسيحية «المحررة» في اول تجربة تحالف انتخابي مع القوات اللبنانية، وما تبقى من المقاعد يمكن التفاهم عليها مع الاخرين، طبعا القوات ليست بعيدة عن هذا الخيار «ويدغدغ مشاعرها»، لكن الرئيس رفض تلك الافكار، وبقي مصرا على «دفن» القانون الحالي، ولذلك اذا كان كلام المشنوق مقدمة لاقفال «الباب» امام التفاوض، وفرض قانون الستين، فهذا سيعني ان البلاد ستكون امام مرحلة سياسية جديدة حافلة بالمطبات، فالرئيس سيكون قد اخفق امام اول استحقاق داخلي ولن يكون «لينا» في القضايا المطروحة على بساط البحث…
ووفقا لاوساط 8 آذار، من الواضح ان ثمة خلافات واضحة حول الاولويات بين الرئاستين، احتدام المواجهة بين تيار المستقبل والوزير «المنشق» اشرف ريفي، تشير الى ان اولوية الحريري كانت ولا تزال اعادة ترتيب «البيت الداخلي» يدرك الحريري ان معالجة أزمة تيار المستقبل وتراجع شعبيته «تحتاج الى أكثر من عودته الى رئاسة الحكومة، وتحتاج ايضا الى اكثر من تعيين وزراء «صقور» من الشمال والبقاع، «استعراض» البيال الاخير ليس كافيا ايضا، المؤتمر الاول عقد قبل سنوات وانهارت نتائجه سريعا تحت وقع الاحداث والتطورات من جهة، وسوء ادارة القيادة السياسية التي جعلت القاعدة الحزبية في واد وهي في واد آخر، المشكلة ليست في إعادة هيكلة تنظيمية، او بتغيير بعض الاسماء، يبحث الحريري عن تفعيل المحاسبة الداخلية ويسعى من خلال «تحطيم» «اسطورة» ريفي، لاستعادة «ثقة» قاعدته، لكنه يحتاج الى الكثير من الوقت لان جمهور «المستقبل» يشعر انه مجرد «ادوات» يجري استخدامها خدمة لشعارات غير ثابتة، لا تتعلق فقط بمسائل اجرائية محدودة وانما على مستوى استراتيجي يرتبط بالمبادىء الاساسية للتيار..
ومن هنا تصبح الشكوك يقينا حول مسؤولية الحريري عن تأخير انجاز سريع لتشكيل حكومته، كان يعرف انها ستولد عاجلا او اجلا، ولكنه تعمد تأخيرها ثم وافق على كل ما كان يضع «فيتوات عليه» لكن في توقيت يناسبه في السياسة، ويخدم مصالحه الانتخابية، هو يحتاج الى المزيد من الوقت للملمة الشارع «الازرق» وبحسابات الربح والخسارة، قانون الستين يناسب طموحاته ويحقق مصالحه، وكان تأخير تشكيل الحكومة يمنحه فرصة اكبر لتحقيق ذلك، وهو اليوم عبر كلام المشنوق يضع الجميع بين ثلاثة خيارات اما انتخابات وفقا للقانون المرعي الاجراء او تأجيل يرغب به، ولكنه غير واقعي، لانتخابات ترى فيها الرئاسة الاولى «خطا احمر» لانها الانجاز الاول الممكن تحقيقه في انطلاقة العهد، او تأمين تحالفات سياسية تزيد من نسبة «ارباحه» قبل اي تفاهم على القانون الجديد…
وامام هذه المعطيات تبقى الاسئلة مفتوحة حول خيارات الرئيس، وفي رأي تلك الاوساط، فان التفاهمات الداخلية بعناوينها العريضة قد لا تكون موضع مراجعة، لكن «نكسة» العهد الداخلية الاولى واجهاض وعد الرئيس بقانون انتخابي جديد، في حال حصلت، لن تمر مرور الكرام في بعبدا، قد تذهب الرئاسة الى فتح ملفات كانت في معرض التأجيل لتسهيل التسويات الداخلية، «الضرب تحت الحزام» يستوجب الرد في اماكن يعرفها «بيت الوسط» جيدا…خصوصا ان الحريري سيكون بعد الانتخابات امام تحدي تشكيل حكومة جديدة …
هذا على المستوى الداخلي، اما في الملفات الاقليمية فيمكن للرئاسة الاولى ان تضع رئيس الحكومة في مواجهة استحقاقات ستصبح داهمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التعامل مع الملف السوري الذي يمكن «نفض الغبار» عنه وانزاله عن «الرف».. وثمة ترقب حقيقي لنتائج زيارة الرئيس عون الى السعودية وقطر، عدم ترجمة الوعود الايجابية الخليجية ستكون ثاني نكسات العهد، القرارات التنفيذية بيد ولي ولي العهد محمد بن سلمان، ما لم يقدم على تسييل الوعود الى وقائع، سيكون الرئيس في حرج شديد، وعندئذ ستكون محاولة «تقييده» باستراتيجية «الحياد الايجابي» محل مراجعة، لان «ضربتين على الراس بتوجع»، واول «الغيث» سيكون حتمية فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية، لمناقشة ملف اللاجئين، والتنسيق لمكافحة الارهاب، تأجيل الكلام حولها سببه حماية التفاهمات، لكن تخلي احد الاطراف عنها سيحرر الطرف الاخر منها. الاكيد ان مرحلة من «عض الاصابع» تجري «بصمت» بين الرئاسة الاولى والثالثة على خلفية قانون الانتخابات، والسباق على اشده بين نجاح»ابتزاز» تيار المستقبل، لتمرير»المختلط» بشروط، او انتصار «الستين» على «العهد» ولكل خيار اثمان…
(الديار)