الغرب بين نهجين في محاربة الإرهاب ..فلمن الغلبة؟ :حسن شقير
ليست المسألة مسألة إدانة لما حدث في فرنسا من جرائم في بحر الأسبوع الماضي ، وليست القضية توجب استحضار ما فعلته فرنسا تحديداً ، ومعها أمريكا وبعض من الدول الغربية في ساحاتنا العربية ، وعلى امتداد عقود، ولسنا هنا لنرفض ونستنكر وندين ونزايد ونطالب أو حتى نبرر لهذه الجريمة أو تلك .. ولن نكرر ما نعتقده – وبشكل مطلق – بأن العنف ، لا يوّلد إلا ّ العنف ، لا الردع .
لأجل ذلك ، فلقد تناولنا جرائم باريس، ومنذ الساعات الأولى لوقوعها بعدد من التساؤلات الجوهرية ، والتي نحاول في هذه العجالة ، أن نقترب من الإجابة عليها ، وذلك من خلال اتباع المنهج الواقعي ، البعيد عن التمنيات والأوهام والأمال البعيدة عن الواقع الموجود ..وهذه التساؤلات تتمحور حول :
– هل ما نشهده اليوم هو ارتداد حقيقي للإرهاب على الغرب ؟ أم أنها عمليةٌ محدودة ومحددة ؟
– هل أن هذه العمليات ستجعل من أوروبا أكثر التصاقاً بالسياسة الأمريكية في كيفية محاربة الإرهاب ؟ أم أن أوروبا ستنتفض على تلك السياسة ، وتعيد قراءة المشهد السياسي للأحداث الطارئة عليها بطريقة أكثر واقعية وأميل إلى رؤية دولية مغايرة لما تسير عليه اليوم في مقاربتها لكيفية محاربة الإرهاب ؟
– هل سيُحدث هذا الإرهاب الضارب في فرنسا اليوم ، ولربما في دول أخرى لاحقاً ، ما يمكن تسميته بانتفاضة في العقل السياسي للمواطن الأوروبي ، بحيث تدفعه تلك الأحداث – رغماً عنه – على محاسبة أحزابه وقادته السياسيين ، ليس فقط على سياساتهم الداخلية ، إنما أيضاً على سياساتهم الخارجية أيضاً ؟
– وهل ستكون هذه المحطة الإرهابية ، فرصة حقيقية لأصحاب القرار في العالم العربي والإسلامي ، وكذا العرب والمسلمين المتواجدين في الغرب ، للإقلاع عن استراتيجية ” الأخذ بالخاطر والإدانة ” ، والتي أثبتت بلاهتها بعد كل حدث إرهابي في امتصاص نقمة الغرب علينا ؟ وهل يمكن لهؤلاء جميعاً ( ممانعين ومعتدلين )، أن يسيروا باستراتيجية جديدة ، تُسهل على المواطن الغربي – على الأقل- انتزاعه لثقافة التجهيل المتعمد التي زُرعت في عقله ، حول حقيقة الإرهاب أولا ً ، وأسباب انتشاره وتوسعه ، ودور القادة الغربيين – بسياساتهم المرتبطة بمصالحهم الشخصية والحزبية – في ارتداده على دولهم ؟؟؟
لكي نقارب هذه التساؤلات – وكما ذكرنا – بواقعية ، لابد لنا من أن نبحث فيها من زوايا المصالح الدولية ، الخارجية منها وحتى الداخلية ، إضافة إلى مراكز النفوذ العالمية ، ناهيك عن ارتباط ذلك أيضاً بمسار هيكلة النظام العالمي الجديد برمته.
ذكرنا ، ومنذ اللحظات الأولى لعملية شارلي إيبدو الإرهابية ، وما لحقها من عملية احتجاز الرهائن ، على يد إرهابي أخر ، بأن فرنسا تعيش ما يمكن تسميته ب 11أيلول الفرنسي ، وذلك بغض النظر عن فارق أعداد الضحايا في الأيلولين ، وذلك بسبب تداعياتها السياسية ، ليس على فرنسا فحسب ، إنما على كافة دول الإتحاد الأوروبي برمته …
لأجل ذلك تداعى إلى باريس بالأمس عدد كبير جداً من ممثلي الإتحاد الآوروبي ، ومختلف دول العالم ، للمشاركة في فعاليتين ، شعبية ورسمية ، وذلك لبحث السبل الأنجع في مواجهة الإرهاب المرتد على مسهلي تصديره إلى ساحات ” الجهاد ” الشرق الأوسطية ، ليلي ذلك لاحقاً إجتماع أوروبي محض ، وذلك للتداول في الموضوع نفسه ، والذي سيليه أيضاً إجتماع دولي أخر في واشنطن في الثامن عشر من الشهر القادم ، وذلك حسبما أعلن وزير العدل الأمريكي بالأمس .
لاشك أن تداعيات الحدث الفرنسي سيُرخي بثقله على كل تلك المشاورات التي ستدور في هذه الإجتماعات جميعها ، وخصوصاً لناحية فحص دينامية العمل التي يسلكها الغرب في مقاربته لموضوع محاربة الإرهاب ، فمن مطالب – بالإضافة إلى تشديد الإجراءات الداخلية – بضرورة بلورة استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في الشرق الآوسط ، وذلك تطويراً لما هو قائمٌ اليوم ، ضمن التحالف الدولي ، وليكون هذا الأخير أكثر انغماساً في تلك الحرب ، إلى مطالب بيلورة استراتيجية جديدة تُلزم فيها أحواض الإرهاب المحيطة بالعراق وسوريا ، بضرورة وضع سياسات فعالة لتجفيف هذه الأحواض ، وسد منافذ المصبات عليها ، وعلى كافة الصعد ، من فكرية ولوجستية وبشرية على حد سواء، وهذا لابد أن يصاحبه استدارة حقيقية إلى ضرورة إعادة الوصل السياسي والأمني مع دول وأطراف مجابهي الإرهاب الحقيقيين على الأرض ، وذلك كمدخلٍ إجباري لكي يُهزم الإرهاب في عقر داره ..
ما لفت بالآمس ، أن صحيفة المانية كشفت النقاب عما أسمته محطة نووية جديدة ، تبنيها سوريا في القصير ، وذلك بحماية مشتركة مع حزب الله ، وذلك من أجل تخصيب اليورانيوم ، هذا فضلا ً عن بدايات تعثر لإجتماع موسكو في نهاية الشهر ، حول البحث في كيفية حل الأزمة السورية ، وذلك قبل انعقاده ، وبفعل مقاطعة المترددين والمتحمسين لعقد هذا اللقاء على حد سواء !!!
رافق كل ذلك ، ارتفاع الأصوات في الكيان الصهيوني ، بأن الإرهاب لا يستهدف الأوروبيين فحسب ، إنما سيطاول اليهود في أوروبا أيضاً ، ليبدأ الكيان الصهيوني بعملية تحفيز علنية لتشجيع هجرتهم إلى فلسطين المحتلة ..
ما سيُصاحب إجتماعات باريس ، وبروكسل ، ولاحقاً واشنطن ، إلى غيرها من الإجتماعات الأخرى حول سبل مكافحة الإرهاب القابع والمرتد إلى الغرب على حد سواء ، الكثير الكثير من المصالح الإقتصادية والسياسية للدول المشاركة ، هذا فضلا ً على تركيز أمريكي على إبراز نموذج الفترة الزمنية التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول-أمريكا في العام 2001 ، وأليات المواجهة التي اتبعتها أمريكا لإيقاف نمو الإرهاب فيها ، ومنع وصوله إليها … هذا على الرغم من التكلفة الباهظة الثمن التي دفعتها أمريكا في الخارج ، وذلك في سبيل إبعاده عن أرضها …
هذا النموذج الأمريكي ، والذي سيُقدم للغرب ، سيتقاطع بلا شك مع مصالح إقتصادية تربط هذا الأخير بشكل عام وفرنسا بشكل خاص ، مع بعض الدول العربية ، وتحديداً الخليجية منها ، والتي تتكفل اليوم بإلحاق الأذى بالإقتصادين الإيراني والروسي من جهة ، وتدفع من جيبها في سبيل تنشيط الإقتصادين الأوروبي والأمريكي من جهة ثانية ، وذلك من خلال لعبة النفط التي تحدثنا عنها في مقالة سابقة ….بحيث أن هذه الدول العربية ستعيد من جديد أمام الغرب-المفجوع ، طرح ” المظلومية السياسية لأهل السنة في بعض العالم العربي ” ، لتقدمها بأنها السبب الرئيسي في نمو الإرهاب وتصديره وإعادة تصديره أيضاً … وأن طريق الخلاص ” الوحيد ” منه ، لا بد أن يكون برفع الضيم عن هذه الشرائح الشعبية ، وذلك يتم عن طريق إزالة أسبابه ، والذي يُختصر برأيهم ، بإسقاط النظام السوري ، والحد من النفوذ الإيراني على حد سواء …. وأن عملية إجتثاث فكر الإرهاب وإقفال مدارسه وتجفيف أحواضه ، لهي مسألة لاحقة لذلك ، وليست سابقة له .
ستتكامل هذه المصالح الإقتصادية والسياسية ، مع الضغط الذي ستمارسه جماعات الضغط الصهيونية في الغرب ، والقريبة من مراكز القرار الغربية ، وكذا مع أصوات اليمين المتطرّف ، والذي سيتلاقى مع كل ما سبق في تعزيز النظرة المتشددة للغرب تجاه أليات مكافحة الإرهاب ، وذلك بالإقتراب من التوجه الآمريكي أكثر فأكثر ، وليس بالإبتعاد عنه – كما يظن البعض – ، وذلك على حساب المطالبة بالتغيير الجذري في أليات مكافحة الإرهاب ، والتي تقترب من نظرة روسيا ومحور الممانعة معها …
ما يعزز هذا التوجه الغربي أيضاً ، هو بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً ، بعضٌ من مراكز النفوذ العالمية الأخرى ، كالإعلام ، جماعات الضغط ، و المجمعات الصناعية ، العسكرية … والتي ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالصهيونية العالمية ، ومشاريعها العالمية ، وذلك في سبيل خدمة مجالات نفوذها ، وأمن الكيان الصهيوني على حد سواء … دون أن نغفل طبعاً ، عن بحث هذه الدول الغربية الدائم عن مكانة أوروبا المستقبلية في هيكلية النظام العالمي الجديد ، والذي نعيش مخاض ولادته العسيرة في هذه المرحلة من مراحل الصراع الدولية
نختم إلى القول ، فإذا كانت الإستراتيجيات الأمريكية ومن خلفها معظم الدولية ، والتي اتُبِعت من بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الأمريكي من العام ٢٠٠١ ، قد أدت إلى ما أدت إليه ، من تشتيت للإرهاب وتشظيته وتفريخه ، وإنبات نسخٍ مطورة عنه … فإن أحداث ” الحادي عشر من أيلول الفرنسي ” ، وما سيليها من وضع استراتيجيات مطورة لهذه الدول نفسها في مجال مكافحة الإرهاب ، ستكون نتائجها – وبلا شك – أفدح من تلك التي تلت الأيلول الأمريكي ، وذلك في حال تكرار الآخطاء والخطايا ذاتها ….
باحث وكاتب سياسي
بيروت في 11-01-2015