بقلم غالب قنديل

عون ودور لبنان الإقليمي

غالب قنديل

يدشن الرئيس ميشال عون من خلال زياراته الخارجية اختبارا جديا لفرصة صياغة دور إقليمي للبنان في فتح خطوط التواصل بين المحورين المتقابلين منطلقا من قاعدة الوفاق والمساكنة الداخلية التي دشنها انتخابه لرئاسة الجمهورية وبالتالي مستندا إلى ديناميكة ميزان القوى المتحول في المنطقة والعالم التي يتوقع ان تدفع سائر الأطراف إلى مراجعة خياراتها والتجاوب مع المساعي الهادفة لاستشراف التسويات الممكنة وإذا كان العماد ميشال عون في موقعه وخياره السياسي زعيما لقوة شعبية وسياسية لبنانية رئيسية وحليفا موثوقا لمحور المقاومة فهو كرئيس للدولة اللبنانية يحرص على سياسة الانفتاح والحوار والشراكة التي اطلقها كثقافة في الحياة السياسية اللبنانية ويتحرك اتجاه المحيط الإقليمي بصورة تعبر عن التفاهمات الوطنية اللبنانية الممكنة وبهذا المعنى شكل التطبيع مع المملكة السعودية مضمون الزيارة الرئاسية التي تخطت ترسبات المرحلة الماضية في العلاقة بين الدولتين وكرست اعترافا سعوديا رسميا بالمعادلة اللبنانية التي قادت لانتخاب الرئيس ميشال عون وهذا من عناصر ترسيخ الاستقرار اللبناني.

تتجه التوازنات الدولية والإقليمية إلى كشف الطريق المسدود الذي بلغته الحروب والرهانات التي بنيت عليها وبحيث تصبح التسويات الممكنة مخرجا لا بد منه لجميع المتورطين طال الزمان ام قصر وهذا هو حال الحرب على سورية والحرب على اليمن وفي كليهما تورط سعودي خليجي واسع في ظل ضائقة اقتصادية ومالية خطيرة تثير حالة من الانكماش والركود الخطيرين بعد استنزاف الموارد والثروات الطائلة في تمويل الحروب والأزمات وهو ما يوفر أرضية مواتية لمنطق التواصل العابر للخنادق والمحاور والتسويات الواقعية التي تختم الجروح العميقة وهذا هو منطق الرئيس ميشال عون الذي يؤسس دورا إقليميا جديدا للبنان ويلوح في الأفق مناخ دولي قد يعزز تلك الفرصة.

ينطلق العماد عون من علاقة ثقة صلبة وقوية بمحور المقاومة تتيح له التصرف كرئيس للجمهورية بكل راحة وحرية في مخاطبة خصوم المحور الذين ينطلق الحوار معهم من المصالح اللبنانية المشتركة وهو يمثل جميع اللبنانيين ويعبر عن مصالحهم وإذا تساءل البعض عن ترتيب الزيارات الخارجية زمنيا فقد أراد الرئيس الذي كان مرشح محور المقاومة قبل انتخابه ان يطمئن هواجس فريق شعبي وسياسي لبناني يتعاطف مع المحور السعودي الخليجي كبداية يبني عليها ما سوف يحققه في زياراته اللاحقة والتي ستشمل كلا من سورية وإيران وهو بذلك سيفكك خطوط انقسام افتراضية في الداخل اللبناني حول السياسة الخارجية.

لا اوهام كبيرة حول ما يمكن ان تقدمه دول الخليج والمملكة السعودية خصوصا للبنان على طريقة الهبات والعطايا السابقة في ظل دعوة جميع تلك الحكومات الخليجية يوميا إلى مواطنيها لشد الأحزمة ولكن للبنان جالية مهمة وكبيرة موجودة هناك وهي تعمل وتعيش ولديها اموال وممتلكات ومصالح كانت مهددة ومن الضروري أن تقوم الدولة اللبنانية بتحصينها وحمايتها من خلال العلاقات الثنائية وان ترفع عنها خطر الانتقام السياسي الذي جرى التلويح به سابقا كما ان مرحلة الاشتباك الإقليمي اورثت لبنان مشكلات طالت قطاعه المصرفي وقطاعه الإعلامي الذي وضع بعد حجب قناة المنار تحت سيف التهديد بوقف بثه الفضائي ويمكن لتطبيع العلاقات بين الحكومتين اللبنانية والسعودية ان يفسح المجال لمعالجات تحقق المصلحة اللبنانية وترسم أطر التعامل مع الشكاوى والاختلافات في هذين المجالين الحيويين.

يقاس نجاح جولة الرئيس ميشال عون بمعيار النجاح في فتح قنوات التواصل والانفتاح مع سائر العواصم الإقليمية وهو ما يمكن ان يعطي للبنان دورا وموقعا يتخذ محتواه بتفعيل علاقات التنسيق والعمل المشترك في مجابهة خطر الإرهاب الذي بات داعموه يخشون ارتداده إليهم وبكسر حواجز الجليد الفاصلة بين المحورين المتصارعين وثمة أساس منطقي للطموح الرئاسي إلى لعب لبنان دور الوسيط الإقليمي المقبول في محاولة تسوية الصراعات وتخطي ذيولها .

صلابة الثقة بوطنية العماد ميشال عون وما له من رصيد شعبي وسياسي ومصداقية كبيرة ومجربة تسقط جذريا كل ما حاول البعض إثارته من كلام سخيف عن قلق او تحفظات لدى الحلفاء … إنه “الجبل ” الذي يتحرك باسم لبنان وبتفويض وثقة من المقاومة ومحورها وهو يسعى في سبيل تعظيم مكانة لبنان ودوره وينبغي على الجميع الالتفات إلى حقيقة ان الرئيس ميشال عون يثبت للقريب والبعيد سقوط الخرافات التي تناولت شخصه وطباعه وطريقة تفكيره وتعامله مع مختلف القضايا والمواضيع فهو المحاور الإيجابي المرن الساعي إلى التفاهمات وفي الوقت عينه هو المبدئي الصلب الذي يحرس المباديء والثوابت الوطنية العليا ويكفي أن نتابع ما بات يعترف به خصوم الأمس في لبنان والخارج الذين يطنبون في امتداح الرئيس … هم الذين تغيروا وحسنا فعلوا أما الرئيس فهو على جوهر نهجه في التفكير والقيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى