اتجاهان اميركيان حول سورية
أشارت المعلومات الصحافية إلى انقسام وجدل في الإدارة الأميركية حول سورية عبرت عنه المذكرة المنسوبة إلى وزير الدفاع تشاك هاغل التي يطالب فيها بإيضاح الموقف من الدولة السورية ورئيسها في حين رسمت تصريحات جون كيري وزير الخارجية سقفا للضغوط على سورية محوره العودة للتفاوض مع معارضين تريدهم الولايات المتحدة شركاء في السلطة السورية .
أولا تشهد مراكز التخطيط الأميركية نقاشا متواصلا حول جدوى خطة اوباما في سورية ويبدو واضحا وجود اتجاهين كبيرين : مجموعات الضغط التي تعمل على فكرة توسيع التدخل العسكري المباشر وزيادة الدعم للجماعات الإرهابية المصنفة “معتدلة” ومجموعات من خبراء وقياديين سابقين في مؤسستي الجيش والاستخبارات تتبنى فكرة الانتقال مباشرة إلى التنسيق مع الدولة الوطنية السورية وعدم الخشية من تبعات التعامل مع الرئيس بشار الأسد امام تعاظم خطر ارتداد الإرهاب التكفيري نحو الغرب والولايات المتحدة خصوصا.
تشهد مراكز التخطيط الأميركية انتعاشا جديدا لتيار المحافظين الجدد الذي انكفأ مع رحيل إدارة الرئيس السابق جورج بوش ثم عاد مؤخرا للظهور بنشاط وبرموزه الذين شغلوا واجهة إدارة دبليو بوش من امثال بول وولفوفتز وأقرانه الذين يدفعون بقوة نحو إحياء فكرة الغزوات العسكرية المباشرة ويدعون جهارا إلى إنزال قوات أميركية في العراق وسورية وهم يتهمون الرئيس الأميركي بالتردد في تسليح الجماعات المناوئة للدولة السورية على الرغم من أن اوباما انجز تكوين الحوافز السياسية والمعنوية للرأي العام الأميركي بالعودة إلى فكرة اولوية القتال ضد الإرهاب عبر الحروب والغزوات العسكرية.
ثانيا يعتقد المحافظون الجدد بأن رئيسا جمهوريا متشددا يتبنى النزعة الحربية من جديد سيجد المسرح جاهزا للتحرك بعدما قامت به إدارة اوباما مؤخرا من تحضير للرأي العام وقدمت له في حملة إعلامية مكثفة صورا مشحونة بالمخاطر الوجودية منذ توسع داعش وتهديدها للمصالح الأميركية النفطية في العراق مع التركيز الإعلامي المتواصل على خطر وشيك لاحتمال تكرار مشاهد 11 أيلول 2001 في أي لحظة وفي أي من القارتين الأميركية والأوروبية وخصوصا بعد العملية الإرهابية الأخيرة في كندا.
يركز المحافظون الجدد في الموضوع السوري على أهمية وأولوية الالتزام بمتابعة العمل لتقويض الدولة السورية وهم ينتقدون خطة اوباما التي تعتمد السعي لإنشاء وتدريب ما يدعى بالقوة المعارضة المعتدلة التي تشير التقارير إلى انها تنطلق من تدريب خمسة آلاف مسلح خلال ستة أشهر وتجهيز هذه القوة للقتال ضد داعش وضد الجيش العربي السوري في وقت واحد .
ثالثا نشر معهد واشنطن المرتبط باللوبي الصهيوني تقريرا لخبيره العسكري جيفري وايت يخلص إلى ضرورة مضاعفة حجم هذه القوة وتقديم اولوية القتال ضد الدولة السورية على محاربة داعش وتكوين هذه القوة بتجنيد شباب من تجمعات النازحين السوريين إلى جانب معاودة دعم كتائب مقاتلة قائمة وتخفيف الضغط عليها في موضوع معايير التصرف والحركة التي تناولت تورطها في بعض الأنشطة الإجرامية واقترابها من تبني العقائد المتطرفة والاكتفاء بعمليات تنظيف السمعة.
ويحذر وايت من سباق الزمن فهو يرى ان الجيش السوري قد يفاجيء الحسابات الأميركية ويستبقها بإنجازات متسارعة تقوض سيطرة الجماعات الإرهابية على العديد من المناطق السورية ويذكر على سبيل المثال مدينة حلب وريفها وريف حماة إضافة إلى ريف دمشق.
يلتقي هذا الاتجاه مع الخطة الصهيونية لتنشيط القتال في الجبهة الجنوبية عبر اعتماد جبهة النصرة وكتائب الجيش الحر في محافظتي درعا والقنيطرة وزرع مجموعات متزايدة الحجم من عملاء الموساد الجاري تجنيدهم على خط فصل القوات في الجولان ورفدهم بالمتدربين الذين سيجري إعدادهم في معسكرات سعودية وتركية وأردنية بإشراف ضباط من الناتو وحيث يشارك ضباط صهاينة في التدريب خصوصا في الأردن ومهمتهم التقاط عملاء وتجنيدهم بمعونة المخابرات الأردنية.
رابعا التيار الثاني الذي تظهره المتابعة المتانية لتقارير مواقع تخطيط السياسات الأميركية يجاهر بالدعوة للتنسيق مع الرئيس بشار الأسد مباشرة باعتبار أولوية مكافحة الإرهاب هي الإطار الأعلى للاستراتيجية التي ينبغي على الولايات المتحدة تبنيها وبالتالي يرى هذا التيار ان على إدارة اوباما دفع الجماعات المرتبطة بها إلى نوع من الشراكة مع الدولة السورية في القتال ضد الجماعات الإرهابية التي هي الخطر الأكبر والأهم وقد برزت من هذا الاتجاه توصيات تبنتها مؤسسة راند صاحبة السجل التعاقدي الأكبر مع المؤسسة الحاكمة ( البنتاغون والبيت الأبيض ) وعرضتها في ندوة لمعهد واشنطن رئيسة مؤسسة كارينجي للأبحاث جيسيكا توكمان ماثيوز وكان أقوى تعبير عنها ما ورد في محاضرة الكاتب المعروف ونائب الرئيس السابق للمجلس الوطني للاستخبارات الأميركية غراهام فولر تحت عنوان : ” تبني استراتجية الأسد أفضل للولايات المتحدة من البحث عن الجهاديين الأقل سوءا” وقد تحدث فيها عن عقم المراهنة على إسقاط الدولة السورية ورئيسها واعتبر التمسك بهذا الهدف ضربا من الحماقة وقصر النظر محذرا من الانسياق الأميركي خلف احقاد الحلفاء الفاشلين ومن التورط “في لعبة البوكر التركية القاتلة ضد سورية” وأكد فولر ان على واشنطن عدم التصرف بعقدة ان التعامل مع الأسد يعتبر مكسبا روسيا وإيرانيا امام خطر انتشار الإرهاب وارتداده ويلخص وجهة نظره قائلا : “حان الوقت: على الولايات المتحدة أن تتحمل لدغة لا بد منها عبر الاعتراف بالفشل والسماح للرئيس بشارالأسد – أو مساعدته – بإنهاء الحرب في سوريا بسرعة لضرب الإرهابيين والقضاء عليهم “.
خامسا خلف كل هذين من التيارين تقف تجمعات احتكارية كبرى وكتل من قلب المؤسسة الحاكمة بجناحيها العسكري والسياسي فالمسألة ترتبط بتنازع مصالح وليست مجرد مباراة في تقديم الأفكار والاقتراحات ومن الواضح ان إدارة اوباما تواصل رقصة البطة العرجاء وهي في سباق الزمن موزعة بين التيارين وتفتح أبوابا تقود إلى المسارين في سياستها وهذا هو سر الارتباك والتردد في سورية ،إنه انقسام عامودي في قلب النخبة الأميركية بعد فشل الإمبراطورية امام صمود أسطوري لدولة ولجيش ولشعب ، تختصره عقدة أميركية كبيرة امام قائد من الشرق قاوم عدوانا كونيا بعناد وبسالة وهو صامد يستقطب إلى عاصمته جميع قوى العالم الرافضة للهيمنة الأحادية وهو صاحب الشعار الذي يتبناه العالم اليوم : الأولوية لمكافحة الإرهاب.