مقالات مختارة

بعد الهزيمة: تسفي برئيل

 

في الشهر الماضي توفي في برلين صادق جلال العظم عن عمر 82 سنة. الفيلسوف السوري المشهور ألّف كتباً كثيرة وكتب مقالات كثيرة تساءل فيها عن سبب تخلف الشرق الاوسط قياساً بالغرب، وطلب من العرب اجراء النقد الذاتي خصوصاً في كتابه «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، الذي تم نشره في العام 2007.

كان العظم بمثابة علامة من المثقفين العرب الهامين والمستشرقين من الجيل القديم في الغرب، وكذلك الاصوليين الفلسطينيين المسلمين. وكان من المثقفين الذين لا يكتفون بتحليل النظام القائم، بل كان يبحث عن طرق تغييره. ومن الطبيعي أنه كان يهاجم من يريدون الاستمرار في السباحة في المياه العكرة الهادئة. أحد اصدقائه الكثيرين هو الكاتب السوري وائل السواح الذي هو اصغر منه بعشرين سنة، والذي كتب في الاسبوع الماضي مقالاً نشر في صحيفة «الحياة». وكان المقال يحمل عنوان كتاب العظم نفسه، وطلب فيه من قادة المتمردين السوريين وضباط الجيش والقادة السياسيين والمثقفين مراجعة النفس بعد الهزيمة التي تعرض لها المتمردون في حلب.

السواح هو أحد الكتاب البارزين في موقع «اليوم التالي»، وهو المحرر الرئيسي له. وهدف الموقع هو تحديد البرامج والاهداف التي يجب على السوريين اتخاذها من اجل بناء سوريا بعد الحرب. ورغم أنه لا يستطيع أحد توقع متى سيأتي هذا اليوم. وحسب رأي السواح لا مناص من القول إن انتصار النظام هو حقيقة يجب مواجهتها.

لكن قبل طرح الاهداف يجب علينا فهم لماذا فشل التمرد. السواح لا يتحدث عن الاسباب التي أدت إلى الفشل، لكنه يحذر من تبني خطوات الانتحار التي ستسبب استمرار الحرب وغرق كل السفينة. ويحذر ايضاً ممن سيحاول استغلال الوضع في سوريا لصالحه. «سوريا تحتاج إلى قادة يمكنهم تحليل ما حدث فيها بشكل انتقائي وكذلك ينتقدون انفسهم ويبحثون عن حلول عملية مبدئية واخلاقية للتراجيديا السورية».

ما هو الحل العملي والاخلاقي المطلوب؟ بيقين ليس استمرار الحرب بعد الهزيمة، بل الجواب السياسي. إن كأس سم المتمردين الآخذة بالامتلاء أضيف لها قرار قيادة تحالف المليشيات المتمردة بالتجاوب مع الخطوات الروسية لعقد مؤتمر مفاوضات في أستانة، عاصمة كازاخستان، كتحضير لمؤتمر جنيف الذي من المفروض أن يعقد في بداية نيسان/أبريل.

من اجل التعبير عن حسن النوايا اعلنت روسيا في نهاية الاسبوع انها تنوي سحب جزء كبير من قواتها في سوريا والاستمرار في المحادثات المحلية لوقف اطلاق النار. المواقع الروسية سبوتنيك وروسيا اليوم سارعت إلى نشر تقارير حول «عودة روتين الحياة» في حلب بعد أن احتل الجيش السوري الجزء الشرقي منها. «اصوات الانتاج في المصانع بدأت تدوي في ازقة المدينة»، كتب في موقع سبوتنيك الذي زين المقال بصور الجرافات وهي تقوم بإزالة الانقاض. الانتصار في حلب يجب أن يعود بالفائدة الكاملة على المواطنين، وجيش النظام هو الأمل الوحيد.

لكن ليس فقط المواقع التابعة لروسيا تتحدث عن التغيير الايجابي. ايضا موقع المعارضة «عنب بلدي» يتحدث عن آلاف اللاجئين الذين بدأوا بالعودة إلى الشطر الشرقي من حلب، وكذلك عن المواطنين الذين هربوا من مدن اخرى مثل جرابلس واعزاز التي حدثت فيها العملية في يوم السبت وقتل فيها العشرات، ومدن اخرى احتلها داعش وقضي عليه فيها من قبل القوات التركية والجيش السوري الحر. في هذه الاماكن تفتح حوانيت الغداء مجدداً واللاجئون الذين هربوا إلى تركيا يمكنهم العودة ومعهم ممتلكاتهم في الشاحنات التي تعبر الحدود من اجل البدء في اعمار بيوتهم، اذا كانت لديهم القدرة على ذلك.

ورغم ذلك، الحرب ما زالت بعيدة عن نهايتها، حيث أن مناطق كثيرة ما زالت تحت سيطرة عشرات المليشيات، وليس للاسد نية للتوقف عند حلب. الهدف التالي هو ادلب التي استوعبت عشرات الآلاف من سكان حلب ومن المتمردين. وقد حذرت تركيا في نهاية الاسبوع الاسد من محاولة احتلال ادلب، حيث أنها ستقوم بالغاء اتفاق وقف اطلاق النار من جهتها. ونظراً لأن تركيا وروسيا تنسقان خطواتهما في سوريا، يبدو أن الاسد سيستجيب لتحذير تركيا. والسؤال هو ما الذي ستقترحه روسيا كحل من اجل ترك المتمردين المدن التي يسيطرون عليها وعودتها إلى سيطرة الاسد. هل سيتم تبني اقتراح السواح والاعتراف بالهزيمة ومحاولة الحصول على وعود، أم سيحاولون الصمود بقوة السلاح في تلك المناطق إلى أن يتم تحطيمها من قبل النظام وشركائه.

لقد تحول نحو نصف سكان سوريا إلى لاجئين ومشردين في السنوات الستة الماضية. والتقديرات تقول إن نصف مليون شخص قتلوا. ويبدو أن السكان قد استنفدوا قدرتهم ولم يعودوا قادرين على محاربة الاسد. ويقول المنطق إنهم سيقفون في وجه الثوار. وهذا ما حدث خلال 15 سنة من الحرب الاهلية اللبنانية و8 سنوات من الحرب الاهلية في افغانستان. والمنطق لا يؤثر دائماً على هذه الحروب الاهلية، ولا حتى اقتراحات المفكرين.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى