مقالات مختارة

أليئور وعبد: جدعون ليفي

 

لو كانا التقيا معاً لوجدا بينهما لغة مشتركة. لو كانا التقيا بدون التحريض والملابسات والتخويف والكراهية لكان يمكن ايضاً أن يصبحا صديقين. ليس من الصعب تخيلهما معاً وهما يخرجان للتسلية في النوادي ويتقربا من الفتيات نفسه ويتأثران من الأمور السخيفة. لقد كانا تقريبا في العمر نفسه وهما ذوا المكانة الاجتماعية نفسها، لكن لم يكن لهما قصة الشعر نفسها. فأحدهما كان يهتم بحلق شعره والثاني كان يقوم بتمشيطه بشكل مهندم. كلاهما تربيا في بيت محافظ، أحدهما يقوم بتقبيل المازوزة وجد الآخر كان يلبس العباءة المذهبة. وبيقين أنهما قد حلما الأحلام نفسها، لكنهما التقيا مرة واحدة فقط في ظروف قاتلة. أحدهما قام بقتل الآخر.

لقد كانا تقريباً من القرية نفسها. تربيا في مدينتين فلسطينيتين مُحتلتين على بعد مسافة ساعة سفر بينهما. اليئور ازاريا تربى في الرملة التي كانت ذات مرة مدينة فلسطينية ولم تعد كذلك.

وعبد الفتاح الشريف تربى في الخليل التي بقيت مدينة فلسطينية لكنها واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي العنيف، واليهود الاسرائيليون يسيطرون على المدينتين. الاثنان كبرا ايضاً في بيت متواضع، لكن مصيرهما كان مختلفاً تماماً فُرض عليهما منذ ولادتهما. وقد تربيا على أن يكونا عدوين.

رغم التشابه بينهما إلا أن الاختلاف أبدي. فأحدهما وُلد حراً وله حقوق، حتى لو كان منبوذا ومجحفاً بحقه، والآخر بدون حقوق وهو مهان وبلا أمل.

كبر ازاريا في خضم التحريض، وفي بيت قومي متطرف ومحيط متطرف وفي العنف والعنصرية.

أما عبد الفتاح فلا يحتاج إلى التحريض. فقد كان يكفي أن يخرج من بيته في حي جبل أبو الرمان، وحاجز تل الرميدة كان دائماً بانتظاره ومعه الاهانة و«الزعرنة» والفظاظة والعجرفة والعنف من قبل الجنود والمستوطنين. ويمكن تصديق والده يسري الذي قال لي في بيته بعد قتل ابنه ببضعة ايام إن ابنه كبر وترعرع في بيت غير سياسي. وقد تحدث والده بخوف. وابنه الثاني خالد تم اعتقاله في الليلة نفسها، بعد فقدان أخيه ببضعة ايام. وقبل أن يُقتل بشهرين قام عبد بفتح منجرة. وقال والده إنه كان سعيداً، ولم يكن يستطيع تخيل ما هو أكثر من ذلك في حياته. ولم يسبق له أن زار شاطئ البحر في حياته القصيرة، رغم بعده ساعة سفر عن بيته، ناهيك عن السفر إلى الخارج.

لماذا حمل سكيناً في صباح 24 آذار/مارس مع صديقه رمزي وحاول طعن جندي في الحاجز؟ يصعب معرفة السبب، لكن يسهل فهم ذلك.

منذ ذلك الحين غاب وتشوه التشابه بينهما، ليس فقط بسبب موت أحدهما. فقد شريف اسمه وانسانيته وشخصيته وتحول إلى «مخرب»، وهو الاسم الذي يتم اطلاقه على كل من يتجرأ على مقاومة الاحتلال بالقوة، سواء من خلال خدش جندي في المناطق أو من خلال عملية انتحارية فيها عشرات المصابين.

والصورة الوحيدة التي بقيت منه هي جثة ملقاة على الطريق مثل جيفة، والدم يتدفق من رأسه ويسيل على الارض، والجنود والمستوطنون يدورون حوله مثل الوحوش، والممرض أزاريا وشخص من نجمة داود الحمراء، يدعى عوفر اوحانا، لم يخطر ببالهما تقديم المساعدة له كما هو مفروض. لم يهتم أحد بحياته، ولا أحد يهتم بموته ايضاً. ولو كان الشريف قطاً لكان قتله قد أثار الشفقة والزعزعة في اسرائيل. ولكن لسوء حظه لم يكن قطاً، بل كان «مخرباً».

إن من قتله في المقابل تحول إلى بطل قومي. والمفاجأة كانت أنه تحول ايضاً إلى ضحية، الضحية الوحيدة. الجميع يعرف أوشرا وتشارلي والجميع يتضامن معهما. ولكن لا أحد يعرف رجاء ويسري، ولا أحد يتضامن معهما. فهما ليسا من البشر وكذلك ابنهما المقتول.

وللتذكير، هما والدان ثُكلا لأنهما فقدا ابنهما البكر عندما حاول طعن جندي كمقاومة للاحتلال.

أما أوشرا وتشارلي فهما والدان لمن تمت ادانته بالقتل من اجل الانتقام، وقام بالكذب أمام المحكمة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى