المخربون تعلموا الطريقة: تسفي برئيل
سلسلة العمليات التي حدثت في الشهر الماضي في تركيا، أو في السنة الماضية كلها، تشير إلى الاستراتيجية الجديدة التي تستخدمها المنظمات الإرهابية ضد الاهداف الضعيفة في الدولة. وحتى الآن يمكن التمييز بين العمليات التي ينفذها الاكراد، الذين ركزوا على الاهداف العسكرية، وبين التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لا سيما ضد الاهداف المدنية. ولكن يمكن أن تجد تركيا نفسها الآن في مركز حرب شاملة ـ في وضع ليس من المؤكد أن يبقى فيه تقاسم الاهداف قائما، وأن جهات اخرى لن تنضم إلى من ينفذون العمليات.
يوجد في تركيا مواطنون كثيرون، اضافة إلى نحو 3 ملايين لاجيء سوري يعيشون فيها، لا ينتمون بالضرورة إلى منظمة معينة، وهم غير راضين عن تدخل أنقرة في الحرب الاهلية السورية.
ويوجد في تركيا ايضا خصوم سياسيين للرئيس رجب طيب اردوغان، مثل نشطاء منظمة رجل الدين المنفي فتح الله غولن، الذين تعرضوا لضربة شديدة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز السنة الماضية، ولا ينقصهم الدافع لالحاق الضرر بالنظام. ولم تعلن أي جماعة من هذه الجماعات عن استراتيجية واضحة لها تحفظ تقاسم الاهداف بينها. والنشطاء والاعضاء فيها، كما يتبين من طبيعة العمل في السنة الماضي، يختارون اهدافهم حسب توفرها وسهولة اصابتها.
لم تتحمل أي منظمة المسؤولية عن العملية في اسطنبول. وتحديد هوية المنفذين بناء على نوع العملية قد يكون مضللا، لا سيما أن المنظمات تعلمت طريقة الرد التركي. فعندما يتم نسب العملية لحزب العمال الكردستاني، خصوصا بعد الهجوم على هدف عسكري، تستخدم الحكومة قواتها ضد التجمعات الكردية في تركيا والعراق وسوريا. وعندما يتم نسب العملية لتنظيم الدولة الإسلامية، لا سيما بعد استهداف المدنيين، يكون الرد بالهجوم على مواقع التنظيم في سوريا. من هنا، فإن الطريق قصيرة لتبادل الادوار بين نشطاء المنظمتين. فحسب الدولة الإسلامية، الاكراد هو هدف مشروع. و»تجنيد» الجيش التركي لمحاربتهم عن طريق العمليات ضد الاهداف العسكرية، يخدم هذا الهدف.
نفس المعادلة يمكنها أن تسري في صالح الاكراد، الذين قد يستهدفون مواقع مدنية من اجل أن يكون الرد التركي موجها لتنظيم الدولة الإسلامية.
إن المشكلة بالنسبة للحكومة في أنقرة هي أن العمليات التي تقوم بتنفيذها هذه المنظمات تعتبر انجازا، حيث قد تنضم اليها عمليات اخرى مثل عمليات المخربين الافراد المعروفة في إسرائيل. إن من ينفذون عمليات من هذا النوع يضعون تحديا كبيرا أمام الاجهزة الاستخبارية. وعند وجود معلومات عن عملية متوقعة، تجد قوات الامن صعوبة في العثور على المنفذ الوحيد الذي يعمل على عاتقه.
اضافة إلى الاستعداد والدافع لتنفيذ العمليات في تركيا، توجد لبعض المنظمات الإرهابية مصلحة في الحاق الضرر بروسيا، التي حظيت حتى الآن بالهدوء النسبي.
ويبدو أن قدرة عمل المنظمات الإرهابية محدودة حتى الآن في روسيا. وبسبب اعتبار أن تركيا وروسيا عدو واحد، فإن الحاق الضرر بتركيا يعتبر إضرارا بالتحالف العسكري ـ السياسي بين الدولتين. واغتيال سفير روسيا في تركيا في الشهر الماضي يؤكد على هذا التوجه.
تستطيع تركيا إلى درجة كبيرة، تحييد أحد مراكز الإرهاب على الأقل إذا قررت تغيير سياستها نحو الاكراد لديها، واستأنفت المفاوضات معهم، التي تم تجميدها قبل سنة ونصف.
مفاوضات تشمل مبادرات حسن نية تجاه القيادة الكردية مثل اطلاق سراح اعضاء برلمان اكراد معتقلون، وحلول وسط في الموضوع الثقافي، الامر الذي من شأنه أن يهديء الصراع الداخلي في تركيا. ولكن فرصة استئناف المحادثات ضعيفة، حيث أنه مثل إسرائيل، ترفض تركيا التفاوض مع الإرهابيين، خصوصا عندما تقوم المنظمات الكردية بالهجمات الإرهابية. ونتيجة لذلك، فإن تركيا أسيرة دائرة شيطانية يشكل فيها الحل السياسي تنازلا وتعبيرا عن الضعف، الامر الذي قد يشجع على المزيد من العنف ضدها.
يبدو أن تركيا ستختار الاستمرار في الخطوات التي اتخذتها والتي تشمل الاعتقالات الجماعية وخنق المناطق الكردية والقصف الكثيف لتجمعات الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.
قناة اخرى محتملة من اجل تهدئة الإرهاب تكمن في قدرة تركيا وروسيا وإيران على التفاوض السياسي بين نظام الرئيس بشار الاسد وبين المليشيات التي تعمل في سوريا، كما تنوي الدول الثلاثة عمله في هذا الشهر في أستانة، عاصمة كازاخستان. التهدئة في سوريا والتعاون مع المليشيات المتمردة قد تهديء الغضب من اعمال تركيا وروسيا في سوريا، لكن ليس هناك ضمانة بأن تتم المحادثات في أستانا.
على هذه الخلفية، يعتقدون في تركيا أن الدولة ستتحول إلى ساحة حرب تمنح اردوغان يد أكثر حرية في ادارة المعركة ضد خصومه. وسيتم تشديد الرقابة وستتحول وسائل الإعلام إلى أداة للحكومة وقد يتم اغلاق مواقع الترفيه وقد تتحول الصعوبات الاقتصادية إلى ازمة حقيقية.
فيما يتعلق بالاقتصاد، التخطيط لموسم السياحة في الصيف يبدأ في الوقت الحالي. واذا كانت العقوبات الروسية هي التي أضرت بمدخولات تركيا من السياحة في السنة الماضية، فستكون في هذه المرة العمليات هي التي ستضر بالسياحة مثلما هي الحال في مصر. وعدم الأمن هو السبب في تراجع الاستثمارات، ويمكن أن ينضم المستثمرون الاجانب إلى السياح الذين سيبتعدون عن تركيا في المستقبل القريب.
هآرتس