بقلم غالب قنديل

مطران المقاومة والعروبة

غالب قنديل

غاب المطران هيلاريون كبوجي واجتاز العتبة التي حضرها بعناية في منفاه في روما… مطران العروبة والمقاومة الذي ولد في حلب وعشق فلسطين وانتمى إلى ثورتها وسجن على يد الاحتلال ثم نفي إلى الفاتيكان وظل قلبه مزروعا في أرض الشرق العربي .

تسنى لي التعرف إليه أخيرا بعد عقود من الإعجاب والتقدير والاحترام لرجل دين مسيحي نقل السلاح إلى الفدائيين وواجه الجلادين الصهاينة بكل شجاعة وبات رمزا وطنيا وقوميا كبيرا إلى جانب الشيخ المقاوم عز الدين القسام العربي السوري كذلك.

التقيته قبل سنوات خلال مشاركتي في احتفالات الجالية اللبنانية في روما بعيد التحرير أواخر شهر أيار وقد حملت أقواله لي حرارة إيمانه بالعروبة وبالمقاومة ومدى قلقه على سورية وثقته بقيادتها وبشعبها وجيشها وهو كان يؤكد بحزم اقتناعه بوجود خيوط صهيونية تحرك كل ما يجري في الوطن العربي ولا سيما الحرب الكونية على سورية واظهر المطران حبا وتقديرا كبيرين لقائد المقاومة السيد حسن نصرالله وكان يحرص على وصفه بالبطل مؤكدا أنه يخص “سماحة السيد والسيد الرئيس بشار الأسد ” بصلاة خاصة كل ليلة فهما أمل الأمة في مواجهة التحدي الصهيوني الاستعماري.

كان لقاؤنا الأخير قبل بضعة أسابيع من الرحيل ولاحقني بأسئلته عن سورية وعن لبنان والمنطقة وأراد معرفة تفاصيل كثيرة عن معركة تحرير حلب مدينته التي أحبها وقد بلغته البشارة قبل الرحيل .

هذا الكاهن التسعيني ظل يحمل عقلا فتيا متمردا ومقاوما عندما يتصل الأمر بمقارعة الصهيونية والاستعمار وبقضية فلسطين ولطالما رفع قبضته وجاهر بأعلى نبرة في صوته المتعب بأن طريق التحرير والعدالة في فلسطين هو طريق المقاومة بالسلاح.

منذ نفيه سعى ليعود إلى فلسطين وهو لم يوفر وسيلة ضغط مستفيدا من صفته الكنسية ومن تواجده في الفاتيكان كما شارك خلال السنوات الأخيرة في تحركات حملته إلى فلسطين وتعرض لخطر الاعتقال من جديد خلال تواجده على احد زوارق حملة الناشطين البحرية إلى سواحل فلسطين لفك الحصار عن غزة وأرغم الاحتلال على الإفراج عنه للمرة الثانية وهذه المرة بقوة معادلة الردع التي فرضتها المقاومة اللبنانية.

كانت غربته عن فلسطين وجعا مستمرا رافقه حتى النهاية وتحدث عنه بكل حرقة ففاضت عيناه بدمع حاول إخفاءه كلما روى بعضا من وجوه عذابه ومرارة ابتعاده عن فلسطين التي حلم بأن يشم رائحة ترابها من جديد بعد فراق طويل.

مطران العروبة والمقاومة تألم كثيرا من الغدر الذي تعرضت له سورية على يد الكثير من العرب واللبنانيين والفلسطينيين ومما بلغته الحركة الوطنية الفلسطينية من ترد وتراجع وسأل بحزن عميق عما تبقى من الثورة التي آمن بها وعمل معها ومن أجلها لكنه ثوري يرفض اليأس ويجد ان بذرة الأمل الباقية هي فتيان وفتيات فلسطين المحتلة الذين يبتكرون أشكالا جديدة من المقاومة جازما إيمانه بانتصار سورية وبصمودها على عهد فلسطين وبثبات إرادة المقاومة التي يجسدها حزب الله وهي ترعب الصهاينة متمنيا ان تنهض مقاومة فلسطينية جديدة متحررة من الأوهام والرهانات الخاطئة ومن العصبيات والانقسامات العقائدية والفصائلية التي تستنزف قضية فلسطين وتشتت قدرات الشعب الفلسطيني وتضاعف من حالة اليأس والإحباط عند الناس وكان يخلص إلى القول بمرارة انه مؤمن بحدوث ذلك كله لكنه لم يعد يملك من فسحة الحياة ما يكفي له بان يشهد هذا التغيير فقد كان حاضرا ومستعدا للحظة الرحيل خلال سنواته الأخيرة.

المطران المقاوم هيلاريون كبوجي لن نقول وداعا بل إلى اللقاء في فلسطين أيها الثائر العروبي الكبير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى